علي الحجي

الطالب بين الشغف المفقود والاستحقاق الزائف

الأحد - 19 أكتوبر 2025

Sun - 19 Oct 2025

حين يسأل أحدهم: لماذا فقد طلابك الشغف؟ كثيرا ما يتجه الحديث إلى جيل التكنولوجيا، أو ضغوط الحياة، أو التشتت. لكن نادرا ما يشار إلى التفاصيل الصغيرة التي تقع في قاعة الدرس، وتحدث أكبر التحولات في داخل الطالب. فالشغف لا يموت فجأة، بل يخبو على مراحل، كلما شعر الطالب أن ما يقدمه لا يقدر، أو أن ما لا يقدمه لا يحاسب عليه.

حين تمنح الطالب الدرجة الكاملة على أداء جزئي، أو تمنحه امتيازا على مشاركات ضئيلة، لا تظنه يفرح بذلك فقط، بل اعلم أن شيئا ما ينكسر في داخله. تتشوش بوصلته الداخلية، ويتضخم شعوره بالاستحقاق، ويصبح النجاح عنده أمرا مفروغا منه لا يحتاج إلى جهد. فيتكون لديه وهم الكفاءة، حيث يظن أنه متميز دون أن يقدم تميزا حقيقيا. هذه الحالة لا تصنع طالبا متفوقا، بل تصنع متعلما هشا، لا يقبل النقد، ويرى التقييم الموضوعي ظلما، ويطالب دوما بما لم يبذل له شيئا.

تتشكل عنده فجوة بين الجهد والنتيجة. فحين يتعود على الامتياز بلا اجتهاد، سيجد صعوبة لاحقا في الالتزام الحقيقي، لأن الدماغ بطبيعته يتجنب ما لا يرتبط بمكافأة. وحين يطلب منه أداء حقيقي، ينكسر الحافز، لأنه لم يعتد أن يربط الأداء بالاستحقاق. وتبدأ رحلة فقدان المعنى، ويتراجع الشغف شيئا فشيئا، ليس لأن الموضوع لا يستحق، بل لأن التجربة السابقة أفسدت عليه شعور الانتصار الحقيقي.

من هنا، فإن أهم ما يمكن تقديمه للطالب ليس الدرجات، بل العدالة. يحتاج الطالب إلى بيئة يشعر فيها أن ما يبذله يصنع الفارق، وأن التقدير يأتي من استحقاق لا من مجاملة. وعندما يخطئ، يحتاج إلى فرصة للتعلم لا للتجاوز والقفز. وحين ينجز، يحتاج إلى شعور صادق بالفخر، لا رقم يمنح لمجرد أن الجميع حصل عليه.

وفي ذلك رسالة خفية تزرع في وعيه: أن النجاح له معنى، وأن التميز له ثمن، وأن الإنجاز لا يأتي إلا عبر تعب يستحقه. وعندها فقط، يعود الشغف، ويولد الدافع من جديد، ويتحرر الطالب من سطوة الشعور الزائف بالاستحقاق، ليبني قيمه الذاتية بصدق.

نحتاج إلى إعادة تعريف النجاح داخل الصف، ليكون انعكاسا لما بذل، لا ما أريد.

فالعدالة ليست في القسوة، بل في الصدق. وحين نكون صادقين مع طلابنا، نمنحهم أعظم ما قد يملكونه: شغفا نابعا من يقين أن ما ينجزوه، يساوي فعلا ما يحصلون عليه.