مصلح معيض مصلح

وزارة التعليم والتعامل الآلي مع المعلمين والمعلمات

الأحد - 19 أكتوبر 2025

Sun - 19 Oct 2025



من مفاجآت وزارة التعليم هذا العام ما قامت به تجاه المعلمين والمعلمات فيما يتعلق بطريقة إثبات حضورهم إلى المدارس وانصرافهم منها؛ وهذه المفاجأة تتمثل في إلزامهم بتحميل أحد التطبيقات في هواتفهم النقالة الخاصة ليكون تسجيل حضورهم إلى المدارس وانصرافهم منها مربوطا بهواتفهم، وأردفت الوزارة هذه المفاجأة بمفاجأة أخرى؛ وهي إلزام المعلمين والمعلمات بالبقاء في المدارس بعد انصراف الطلاب والطالبات لمدة تقارب الساعتين دونما حاجة إلى ذلك.

هذه الإجراءات التي اتخذتها الوزارة لم تراع العديد من المسائل فيما يخص العلاقة الرسمية بين الوزارة من جهة والمعلمين والمعلمات من جهة أخرى؛ هذه العلاقة التي يجب أن تراعي فيها الوزارة الجوانب النظامية والقانونية كجهة مسؤولة إذا كانت الجوانب الإنسانية للمعلمين والمعلمات لا تنظر لها مع أنها تأتي في صميم الفكر الإداري.

فمن الناحية النظامية؛ ليس من حق وزارة التعليم أن تجبر المعلمين والمعلمات على استخدام هواتفهم النقالة في مسألة الحضور والانصراف أو في أي ترتيب يخص عملهم الرسمي في المدارس، إذ إن هذه الهواتف من خصوصيات المعلمين والمعلمات ومن أغراضهم الشخصية؛ وليس لها علاقة بالعمل الرسمي، علما أن البعض يكتفون باستخدام أجهزة الجوالات العادية التي لا تقبل التطبيقات لأسباب مقنعة، وأبعد من ذلك هل يجب على أي معلم أو معلمة اقتناء هاتف جوال، وهل يقبل أن يكون الهاتف الجوال شرطا للعمل في مجال التعليم؟ فكيف تدرج الوزارة الجوالات في التعاملات الرسمية مع المعلمين والمعلمات، وما مستندها في هذا الإجراء من أنظمة الدولة؟، ولماذا لا تكون البصمة بديلا عن التطبيق كما هو معمول به في القطاعات الأخرى؟

ثم تحت أي مبرر قانوني أو منطقي أو إنساني يبقى المعلمون والمعلمات في المدارس لمدة تقارب الساعتين بعد انصراف الطلاب والطالبات دون عمل رسمي يؤدونه أو وجود ضرورة لذلك، طالما وجود الطلاب والطالبات في المدارس هو الداعي لوجود المعلمين والمعلمات أصلا؛ ومن ثم فعدم وجود الطلاب والطالبات في المدارس بعد انتهاء الحصص الدراسية يبطل حجة الوزارة في إلزام المعلمين والمعلمات بالبقاء في المدارس بعد انصراف المعنيين بالتعليم إلا إذا كانت الوزارة تسعى لتطبيق أساليب الهيمنة والسلطوية.

قرار وزارة التعليم في هذا الشأن يسيء للوسط التعليمي، ويتنافى مع ما يجب أن تكون النظرة للمعلمين والمعلمات والتعامل معهم من قبل الوزارة لأنهم مؤتمنون على تربية أبنائنا وبناتنا، وهم من يخرج الكفاءات المطلوبة للدولة والمجتمع في كل المجلات وكل ما تحتاجه التنمية، ولكن ما جرى لا يعني إلا شيئا واحدا؛ وهو سحب الثقة من المعلمين والمعلمات والنظرة إليهم من قبل الوزارة كآلات من ضمن الآلات التي يتطلبها التعليم، وليس بصفتهم تربويين يعزى إليهم تربية الأجيال القادمة وتعليمهم، وكيف يمكن أن ننتظر من المعلمين والمعلمات زرع الثقة في نفوس الطلاب والطالبات، والمساهمة في بناء شخصياتهم في الوقت الذي تنزع الوزارة الثقة منهم وتستأصل روح انتمائهم إلى رسالتهم.

المعلمون والمعلمات وحدهم من يحمل هموم أعمالهم إلى بيوتهم ويقضون الساعات في التحضير للدروس اليومية والإعداد لها؛ بالإضافة إلى وضع الأسئلة الشهرية والنهائية، وكل هذه المتطلبات يقومون بها وهم في بيوتهم كحمل إضافي دون الحصول على مميزات خارج الدوام التي يحصل عليه منسوبو القطاعات الأخرى؛ فهل يعقل أن وزارة التعليم تتجاهل هذه الحقائق لأنها بالتأكيد تعرفها؟

المعلمات بشكل خاص لهن ظروفهن التي يجب على الوزارة مراعاتها، فالكثير منهن يأتين من مسافات بعيدة تضطرهن إلى مغادرة منازلهن قبل صلاة الفجر حتى يصلن إلى مدارسهن في الوقت المناسب، والحوادث التي يواجهنها في الطرق للمدارس أكبر شاهد على ذلك، ومسؤولياتهن ليست محصورة في التعليم بل تتوزع بين المدرسة والمنزل، فهن معلمات في المدارس وزوجات ومربيات في بيوتهن فكيف يقمن بكل هذه الأعمال في ظل هذا القرار الجائر.

إن ما قامت به وزارة التعليم في هذا الشأن سيكون له حتما تداعياته على المعلمين والمعلمات من الناحية النفسية، وعلى مستوى أدائهم داخل الفصول الدراسية لأنه قرار يصب في منحى القرارات التعسفية التي يحذر منها علماء الإدارة، ولن يؤدي هذا القرار إلا إلى النفور من مهنة التعليم في ظل هذا الاتجاه، وستكون مهنة منفرة غير مرغوبة، وهنا مكمن الخطورة، حيث لن يتقدم للتعليم مع هذه الإجراءات إلا من لم يجد عملا، أما من يمتلكون المهارات والمستويات العلمية الجيدة التي يحتاجها التعليم، فإنهم سيجدون مجالات أخرى يشعرون فيها بالتميز الوظيفي والتقدير الاجتماعي.

على وزارة التعليم أن تدرك أن أي قرارات لا تصب في مصلحة أعمدة التعليم فإن تأثيراتها على المدى البعيد ستطال كل قطاعات الدولة. وعلى الوزارة أن تدرك أيضا أن من أسباب نهوض بعض الدول مثل ماليزيا وسنغافورة تركيز اهتماماتها على المعلمين والمعلمات والرفع من مكانتهم حتى جعلت لهم حصانة خاصة.