وليد الزامل

بوصلة دوكسياديس المفقودة في صحراء الرياض

الأحد - 19 أكتوبر 2025

Sun - 19 Oct 2025



لا أعرف لماذا يتحمس البعض في الدفاع عن دوكسياديس (Doxiadis) بكل قوة عند أي انتقاد. ودوكسيادس كان المستشار الرئيس لتخطيط مدينة الرياض في 1968، وهو خبير يوناني، وضع مخطط المدينة لتنظيم النمو الحضري حتى عام 2000. صحيح أن خطته أعطت إطارا حديثا ومنظما للتوسع العمراني لمدينة الرياض، وكانت محطة هامة في تاريخ التخطيط العمراني السعودي؛ إلا أن هناك مجموعة من الأخطاء الفادحة التي أرى من الصعب تبريرها ويمكن تلخيصها على النحو التالي:

أولا: غياب النقل العام، خطته ركزت بشكل أساسي على المركبات الخاصة كوسيلة نقل أحادية وإهمال بدائل النقل الأخرى كالمشاة والدراجات، وعدم تخصيص مساحات مستقبلية لها.

ثانيا: ضعف الاستدامة والمرونة، لقد اعتمدت الخطة إنشاء أحياء سكنية شبكية منفصلة بشوارع واسعة، مما شجع على المضاربات العقارية والتوسع الأفقي وزيادة الإنفاق على تمديدات البنية التحتية؛ بل إن العديد من الأحياء السكنية تم السكن بها قبل وصول الخدمات نتيجة الطلب؛ وهو ما يؤكد على سوء تقديره لإرهاصات الطفرة الاقتصادية.

ثالثا: إهمال الطابع الثقافي المحلي، فعلى الرغم أن الأحياء التقليدية كانت على مرمى حجر من المخططات العمرانية الجديدة؛ إلا أن الخطة لم تحاول استلهام القيم الثقافية في إطار تخطيط وتصميم الحي السكني. كانت التصاميم العمرانية معتمدة على النمط الشبكي وتقسيمات أراض مربعة تتوسطها وحدات سكنية أشبه بصندوق خرساني محاط بارتدادات من جميع الجهات وهو خلاف النمط العمراني التقليدي. كما لم تحاول الخطة وضع تصورات تستجيب لطبيعة البيئة الصحراوية في مدينة الرياض، وخاصة فيما يتعلق بعروض الشوارع والطراز العمراني ومواد البناء وطبيعة التشريعات العمرانية، مما أضعف العلاقة بين العمران والبيئة.

رابعا: ضعف المركزية، لم تضع الخطة أفكارا لتركيز النمو الحضري في مناطق محددة تستجيب لمتطلبات النقل العام، وهو ما أدى إلى نمو أفقي غير متوازن. لقد ساهم توسع المدينة الأفقي في إضعاف دور المركز وتباعد أطراف المدينة وصعوبة الوصولية.

خامسا: تقديرات إسكانية غير دقيقة، حيث وضعت الخطة تقديرات لاستيعاب نمو سكاني 1.5 مليون نسمة في عام 2000 لكن النمو الفعلي تجاوز التقديرات ليصل إلى 1.38 مليون نسمة في عام 1987م، ثم 3 ملايين نسمة في عام 2000، مما جعل الخطة غير كافية لتستجيب لمتطلبات السكن، لا سيما مع زيادة وتيرة الهجرة في مدينة الرياض.

سادسا: العزلة الحضرية، حيث اعتمدت الخطة على نموذج ثابت للأحياء السكنية على شكل مربعات ضخمة تخترقها السيارة، دون مراعاة التباين الاجتماعي والاقتصادي، وهو ما أدى إلى عزلة كل حي عن الآخر وفقدان الترابط الحضري.

إن إشكالات تطبيق مخطط دوكسياديس عجلت بالتعاقد مع شركة SCET International في عام 1976؛ إذ ليس من المنطقي التعاقد مع شركة جديدة دون وجود عيوب جوهرية في الخطة الأولى. أما الدعوة لقراءة تقارير دوكسياديس الأصلية والتي لا يعرف أحد أين؟ فلن تفيد الباحث في شيء فالكتاب واضح من عنوانه كما يقال في الأمثال. التبرير في كون دوكسياديس كان يقصد شيئا وأننا فهمناه بشكل آخر يؤكد بالدليل الدامغ جمود الخطة وعدم مواءمتها مع ديناميكيات السوق، والنمو الاقتصادي، والسياق المحلي والديموغرافي.

ما زلنا إلى اليوم ندفع ثمن أخطاء دوكسياديس التي أثرت بشكل كبير ليس على توسع المدينة فحسب؛ بل على المزاج العمراني الذي ظل لعقود طويلة حبيسا لأفكار أحادية، وأحياء سكنية مكررة ووحدات سكنية صندوقية لم تتغير منذ عام 1970 قادت فيما بعد إلى رسم مشهد حضري خلاف المأمول. ولعلي أفترض أنه ربما فقد البوصلة؛ لكنه نجح بجدارة في تصميم مسقط أفقي للمدينة يجب تنفيذه بواسطة المقاول دون نقاش.