هل إسرائيل خطر على العرب... أم على العالم؟
الخميس - 16 أكتوبر 2025
Thu - 16 Oct 2025
قد تبدو إسرائيل دولة صغيرة وهامشية على الخارطة، لكنها تحتل موقعا غاية الخطورة في المنطقة العربية، لأنها خلقت حاجزا منيعا ما بين مصر والشام، فقطعت التواصل ما بين منطقتين ثبت على مدى التاريخ أنه لا بديل عن التواصل ما بينهما للحفاظ على أمن المنطقة العربية... وقد كان تواصل مصر والشام مفتاح أمن المنطقة منذ عهد الفراعنة والعهد الهيليني، مرورا بالصليبيين والمغول... حتى يومنا هذا.
وإسرائيل دولة تقوم على الاستعمار الاستيطاني، وتقوم عقيدتها على تفوق العنصر اليهودي، ومنذ إنشائها تشرد الشعب الفلسطيني وتتعامل معه بوحشية لم يشهد عالمنا المعاصر مثيلا لها، كما تعمل على تدمير ما حولها من دول ومجتمعات، وتحويلها إلى كيانات طائفية... حتى تبقى المنطقة تحت الهيمنة الإسرائيلية.
ولا تكتفي إسرائيل بذلك، بل هي أيضا كيان لا يعترف بحدود لدولته، فترتكز سياستها على التوسع التدريجي من خلال الغزو والاستيطان الممنهجين... تمهيدا لإنشاء إسرائيل الكبرى: من النيل إلى الفرات.
فلا شك أن إسرائيل تمثل خطورة استراتيجية على العرب، وأنها تعمل على زعزعة منطقة الشرق الأوسط بأكملها.
لكن ماذا عن العالم؟ هل تشكل إسرائيل خطورة عليه؟
أبدأ القول إنه بموجب مركز بيو للأبحاث Pew Research Center فإن عدد المسلمين حول العالم قد بلغ ألفين مليون مسلم (اثنين بليون) في عام 2020.. وإن إسرائيل تتعمد تشويه صورتهم: فتخوف العالم من المسلمين، وتخوف المسلمين من العالم.... ولا تفتأ تثير الفتن ما بين المسلمين بعضهم ببعض، معتمدة على سطوتها الإعلامية. وهي سطوة تتراوح ما بين سيطرة الجماعات الصهيونية على وسائل الإعلام التقليدية من صحافة وتلفاز وغيرها، إلى سطوتها على صناعة السينما في هوليوود، حتى سطوتها على وسائل التواصل الحديثة التي كان آخرها قيام الملياردير الصهيوني لاري إليسون Larry Ellison بشراء شركة تيك توك tiktok.. فتمكنت إسرائيل من التسلل إلى كل بيت حول العالم عن طريق وسائل التواصل، ما أدى إلى تفاخر نتانياهو رئيس وزراء إسرائيل بقوله: أي شخص لديه هاتف محمول يملك «قطعة من إسرائيل» anyone with a cell phone owns a piece of Israel.
ولا شك أن تشويه صورة المسلمين وإثارة الفتن ما بينهم وبين العالم - وما بين المسلمين بعضهم ببعض - يشكل خطورة على أمة تمثل حوالي 26% من سكان العالم، وبالتالي خطورة على الأمن الدولي بأسره.
والدور الإسرائيلي في تشويه صورة الإسلام والمسلمين لا يقف عند حد الإعلام: فأصابع إسرائيل ليست بعيدة عن أعمال إرهابية ضخمة في دول الغرب تم إلصاقها بالمسلمين، ولعل أخطرها أحداث 11 سبتمبر عام 2001 التي كانت أكبر هجوم على الأرض الأمريكية منذ هجوم اليابان على ميناء بيرل هاربور Pearl Harbor عام 1941. وقد أدت أحداث 11 سبتمبر إلى تغيرات كبرى في طبيعة أمريكا وتبني الحكومة الأمريكية إجراءات غير مسبوقة حصلت بموجبها السلطة التنفيذية على صلاحيات أمنية واسعة، كما أن أحداث 11 سبتمبر أعطت السلطة التنفيذية التفويض بشن حروب شاملة تحت شعار «الحرب على الإرهاب»، وهو ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن نصف مليون عراقي وتدمير العراق: أحد أهم مراكز الحضارة الإنسانية والإسلامية، نتيجة لحرب لم يكن فيها للولايات المتحدة مصلحة حقيقية. وليس سرا أن إسرائيل لا تزال تدفع الولايات المتحدة إلى شن حروب جديدة على حساب دافع الضرائب الأمريكي.
كما أن إسرائيل لا تلتزم بأي قيود على استعمال أسلحتها - وهي قوة نووية لا يستهان بها - بينما تشعل صراعات خطرة في واحدة من أشد مناطق العالم حساسية، ما قد يؤدي إلى إشعال حرب كبرى لا تعرف نتائجها!
وإسرائيل فوق ذلك دولة لا أمان لها ولا تلتزم بأي عهد ولا يمكن أن يطمئن إليها أي حليف، وقد تم ضبطها أكثر من مرة وهي تتجسس على أقرب حلفائها - الولايات المتحدة - ثم تقوم بتسريب أخطر أسرار الولايات المتحدة إلى أعدائها!
وقد استغلت إسرائيل نفوذها الإعلامي الذي يؤثر في وعي المليارات من بني البشر، واختياراتهم الفكرية والاجتماعية والعقائدية، وكذلك اختياراتهم السياسية: فأصبح لها دور لا يمكن تجاهله في توجيه الناخبين وتشكيل نتائج الانتخابات في المجتمعات الغربية، حتى صارت إسرائيل تشتري المرشحين في الانتخابات، ولا تتورع عن ابتزاز وتهديد من لا تستطيع شراءهم.
وقد أصبحت إسرائيل جزءا من «النظام السياسي الفعلي» في العديد من الدول الغربية: تتدخل في صنع السياسات - وعلى رأسها السياسات الخارجية والسياسات الإعلامية - كما تؤثر على السياسات الداخلية وتتدخل في العلاقة ما بين الدولة والمواطن.
وقد رأينا إسرائيل تضع القيود على حرية التعبير في الولايات المتحدة من خلال سيطرتها على مجلس النواب، ما أدى إلى طرد الطلاب من الجامعات الأمريكية إذا اعترضوا على ما تقوم به إسرائيل من جرائم ومذابح، كما كانت إسرائيل وراء إصدار البرلمان البريطاني قانونا يصف حركة احتجاج سلمي بالإرهاب، ما أدى إلى اعتقال المئات دون وجه حق، وغير ذلك.
ولا يقل خطورة عن كل ذلك استخفاف إسرائيل بالقانون الدولي: فهي تحتل الضفة الغربية وغزة احتلالا غير قانوني منذ عام 1967، وترتكب أبشع الجرائم في القانون الدولي: الإبادة الجماعية، على مرأى من العالم كله.. وكم قتلت إسرائيل من مواطنين أجانب - ومنهم مواطنون أمريكيون - على أرض فلسطين، من أشهرهم الناشطة الأمريكية راشيل كوري Rachel Corrie، التي تم قتلها تحت جنازير جرافة عسكرية إسرائيلية، والإعلامية الأمريكية شيرين أبو عاقلة التي قتلها قناص عسكري إسرائيلي، عدا الذين تم قتلهم خارج حدود فلسطين: كما قتلت في المياه الدولية طاقم السفينة الأمريكية ليبرتي USS Liberty، وغيرهم.
وهنا تجب الإشارة إلى أنه - وإن كانت إسرائيل دولة عنصرية - فإن مقارنتها بدولة جنوب أفريقيا العنصرية التي سقطت، هي مقارنة فيها ظلم لجنوب أفريقيا، لأن إسرائيل أسوأ وأخطر بمراحل من دولة جنوب أفريقيا التي لم يتقبلها العالم: فجنوب أفريقيا استوطنها بعض الأوروبيين منذ قرون بغرض إنشاء نقطة إمداد للسفن العابرة ما بين أوروبا وجزر الهند الشرقية، وليس بغرض تشريد وإبادة شعب جنوب أفريقيا الأصلي أو تدمير ما حولها من شعوب، ولا كانت دولة جنوب أفريقيا تدعي أنها تحقق رغبة الرب بقتل الأفارقة وسرقة أرضهم.. بينما إسرائيل دولة أنشأها الغرب دعما لحركة عنصرية شرسة تتلبس بالدين وتعمل على إبادة شعب فلسطين وتدمير الدول العربية من حولها وتحويلها إلى كيانات طائفية مفككة ومكشوفة عسكريا ومتصارعة ما بينها.
وقد كبرت إسرائيل وكبرت معها خطورتها.. وجرائمها... وأصبح العالم يرى إسرائيل ترتكب في غزة مذبحة لم يسبق لها مثيل، كما أوضح البروفسور حاييم بريشيث-زابنر Professor Haim Bresheeth-Žabner، وهو أكاديمي يهودي كان أستاذا في جامعة شرق لندن University of East London، ومؤلف لدراسات عن المحرقة اليهودية holocaust وقت الحرب العالمية الثانية.. وقد أوضح أن مذبحة غزة أشد من المذبحة التي حصلت لليهود وأكثر بشاعة منها: فالمذبحة التي حصلت أثناء الحرب العالمية لم تكن مذبحة منبعها حقد شخصي من الجنود الألمان، وإنما كانوا يتبعون الأوامر في غالبيتهم، وشارك في المذبحة عدد قليل من الجنود ولم يكن بقية الشعب الألماني على علم بها... أما مذبحة غزة فمنبعها حقد شخصي من مئات الألوف من الجنود الإسرائيليين، الذين شاركوا في مذبحة تتم بعلم الشعب الإسرائيلي كله.
إن إسرائيل دولة مارقة rogue state بكل معنى الكلمة، بل إنها أخطر دولة مارقة على وجه الأرض.. وإذا كان الغرب يحذر من دولة مثل كوريا الشمالية مرة، فعليه أن يحذر من إسرائيل ألف مرة..
فإسرائيل دولة لا يمكنها أن تعيش دون أن تدمر وتخرب وتتلاعب بعقول الشعوب وحكوماتها... وكرامتها... وهذا الوحش الذي صنعه الغرب حتى يسيطر على العرب، أصبح وحشا يسعى للسيطرة على الغرب الذي صنعه، ومن وراء الغرب: يسعى للسيطرة على العالم.
وعلى العالم أن يسأل نفسه: إذا كانت إسرائيل بهذه الخطورة وهي لا تزال دولة صغيرة تواجه مشاكل كبرى... فكيف تكون خطورة إسرائيل إذا أصبحت «من النيل إلى الفرات»؟