عبدالله السحيمي

منصة التوقيع.. وذاكرة المنجز

الأربعاء - 15 أكتوبر 2025

Wed - 15 Oct 2025

كنت أبرر لنفسي دائما أن منصة التوقيع ليست سوى شعور لحظي يعيشه المؤلف حين يرى منجزه وقد اكتمل بين يديه، لحظة تشبه العبور من عالم الفكرة إلى عالم الحضور. إحساس جميل لكنه عابر، يختصر سنوات من الكتابة والصبر والانتظار.

ولأنني لم أخض تلك التجربة يوما، فقد كنت أتعامل مع دعوات حضور حفلات التوقيع من منظور مختلف؛ أذهب دعما وتشجيعا للمؤلفين والأصدقاء، لا احتفاء بالمناسبة فحسب، بل تقديرا لرحلة الكتاب التي لا يراها إلا من عاشها. كنت أرى في الحضور مشاركة وجدانية توازي في معناها التصفيق أو الكلمة الطيبة التي تقال في وقتها.

ومع كل منصة توقيع أحضرها، كانت ذاكرتي تعيدني إلى زمن مضى، حين كان التشجيع يأخذ طابعا أكثر دفئا وصدقا؛ لم تكن هناك عدسات أو أضواء، بل رسالة بخط اليد من قامة أدبية أو فكرية، يكتبها من وقته ليثبت أثرا يبقى، ويمنحك بذلك معنى التقدير الحقيقي.

أتذكر بتأثر بالغ رسالة معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر - رحمه الله - حين بعث إليّ ردا على إهدائي له مجموعتي القصصية "في ذاكرة المستحيل"، وأنا لا أزال طالبا في المرحلة الجامعية. قد حظيت تلك المجموعة بجائزة أبها الأدبية، واستلمناها من يد صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، رجل الكلمة والحرف والمعنى.

كلمات الدكتور الخويطر - رحمه الله - لم تكن مجرد شكر عابر، بل كانت خطابا أدبيا وتربويا راقيا أشعرني يومها بقيمة المنجز حين يصل إلى قارئ مختلف، قارئ يقرأ بنية المربي ووجدان المثقف. كانت كلماته امتدادا لمدرسة في التواصل الإنساني فقدنا كثيرا من حضورها اليوم.

منذ ذلك الحين، أدركت أن المنصة الحقيقية للتوقيع ليست تلك التي نعتليها أمام الجمهور، بل كل أثر يبقى من الكلمة الصادقة بعد غياب صاحبها. وأن أجمل التواقيع ليست بالحبر، بل في الذاكرة والوجدان.

منصة التوقيع اليوم قد تكون لحظة احتفاء بإنجاز أدبي، لكنها في عمقها تجسيد لمسار طويل من الصدق مع الحرف والإيمان بالرسالة. هي لحظة يوقع فيها الكاتب اسمه على جدار التجربة، مبتسما، لأنه كتب ما أراد أن يقال... ومضى مطمئنا إلى أن الكلمة وجدت طريقها إلى قارئ يشبهه.