وهل للشيطان فضيلة؟
الثلاثاء - 14 أكتوبر 2025
Tue - 14 Oct 2025
يقول الدكتور عبدالوهاب المسيري في رحلته الفكرية الجميلة: عندنا إذا اجتمع رجل وامرأة كان الشيطان ثالثهما، أما في الغرب فلا يحضر الشيطان أصلا، لأن المسألة أصبحت طبيعية ومحايدة» فهل قاموا بكل شيء حتى أن الشيطان استقال من وظيفته؟!
وهنا، أشير ولا أشيد بالشيطان على التزامه المبدئي بالغياب عندما يفقد المشهد معناه، أو يفقد الشيطان وظيفته لأن ثمة من قام بها نيابة عنه حتى ولو غرد بدعاء ذات مساء جمعة! فحتى إبليس - على ما فيه - يبدو أكثر ذوقا من بعضهم؛ لأن الشيطان لا يحضر إلا حيث توجد فضيلة يمكن إفسادها، أما حين تصبح الرذيلة عادية وروتينية، فإنه يعتذر بلطف ويقول «أنتم كفيتم ووفيتم».
وفي الجامعة، يروي الدكتور زيد المحيميد عن أستاذ جامعي أنه «يشعر بسعادة غامرة عندما يرى طالبا يحاول أن يغش لأنه شعر باهتمام الطالب بالنجاح وحرصه على تجاوز المادة» نعم، الغشاش أصبح رمزا للهمة والطموح!
فهو على الأقل يهتم بأن ينجح، ويتصبب عرقا في سبيل إخفاء ورقة الغش الصغيرة أو أنه بذل جهدا كبيرا في استخدام التقنية للغش، بينما زميله الآخر لا يهتم إن تخلف أو نجح في المادة، المهم أن الوقت الدراسي يمشي ولو بعبارة «لا يمكنك تسجيل الفصل القادم لانخفاض المعدل التراكمي» يا لها من مفارقة تربوية: أصبح الغش علامة على الحياة، بينما اللامبالاة أصبحت من علامات النضج! ربما سيأتي يوم تعلّق فيه لافتة على قاعة الامتحان تقول «الرجاء الغش بحماس وأمانة واحرص ألا يراك أحد، فالنجاح يعتمد على محاولتكم».
أما عن الحزن، فـ إميل سيوران غرق فيه حتى العنق، وكأنما قرر أن يعيش في مقبرة وجودية أنيقة. لكن لعل حزنه هذا كان ضرورة كونية، فمن غيره ما كان أحدنا سيفكر في معنى الفرح. إنه أشبه بمن يتطوع بأن يحزن عن البشرية كلها حتى لا تتعب نفسها بالدموع.
نحن - يا سادة - أمة تعرف قيمة الأشياء فقط حين تفقدها: فالتعب يخلق متعة الإجازة السعيدة، رغم أن بعضهم يحمد الله على الوظيفة يوم الإجازة، ويشتاق للإجازة أول ساعة في الدوام. والغريب أننا نشتم الزحام ونحن في الطريق، ثم نعود لنشتم الفراغ حين نجلس وحدنا. ونشتكي من الملل والوحدة، نكره الفقر ولكننا حين نغتني نتذكر أيام الفقر بحنين عجيب ونقول «كانت أياما بسيطة وجميلة!» حتى الوردة حين تتفتح أمامنا لا نراها إلا بوصفها مشروع موت مؤجل. وربما في أعماقنا، نحن لا نحب الجمال بقدر ما نحب أن نحزن عليه.
في النهاية، يبدو أن الحياة كلها قائمة على هذه المفارقة العبقرية: فلكي نحس بالفضيلة، نحتاج إلى شيء من الرذيلة. ولكي نحب النور، لا بد أن يزورنا الظلام قليلا. ولكي نشكر الله على الغنى، لا بأس بقليل من الفقر ولا أدري عن صحة الأثر: إن من عبادي من لا يصلح له إلا الفقر!
Halemalbaarrak@