إبراهيم بن بادي لوحة دافنشية من البطولة
الثلاثاء - 14 أكتوبر 2025
Tue - 14 Oct 2025
فقد الأطراف، لكنه بتلك البسالة والشجاعة تلألأت روحه بأسمى الأفعال في مواطن الشرف، وتناثرت الأنوار الخالدة الرمزية من قصة ذياده عن الدين والوطن، والذي يحتضن الوطن في أعماقه ما سبقت به تعبيرا أطرافه. هكذا هي قصة إبراهيم بن بادي الخزمري، الرجل الذي كتب بفقدان أطرافه ما لا تستطيع الكلمات وصفه، ورسم بالثبات والإصرار لوحة دافنشية من البطولة لا تمحوها الأيام.
إبراهيم بن بادي أحد أبطال الحد الجنوبي الذين سطروا بدمائهم قصة فداء خالدة؛ تلقى التعليمات بتطهير موقع داخل الأراضي اليمنية دعما للشرعية اليمنية، وبعد معركة استمرت نصف يوم في جبال مران تم تطهير الموقع بنجاح، لكن العدو نشر الألغام في المكان وفعّلها عن بُعد بعد الانسحاب، مما أدى إلى إصابته إصابة بالغة تسببت في بتر أطرافه السفلية. حمله زملاؤه الأبطال على أكتافهم لمسافات وساعات طويلة وسط تضاريس صعبة حتى وصلوا به إلى المستشفى الميداني، ثم نقل بإخلاء طبي إلى الرياض حيث واصل علاجه. وبعد ذلك بتوجيهات ورعاية القيادة الرشيدة حفظها الله استكمل العلاج خارج المملكة لمدة سبع سنوات.
في الأسابيع القليلة الماضية، عاد إبراهيم بن بادي، ابن الوطن البار، إلى ثرى المملكة عبر مطار العقيق، فعانق ترابها بقلوب خفقت له حبا واحتراما. كان في استقباله نسيج وطني جميل؛ مسؤولون ومواطنون، جاؤوا لا ليؤدوا واجب الحضور، بل ليقولوا بكلمات العيون قبل الألسن: مرحبا هيل عداد السيل بمن ضحى ليبقى الوطن شامخا.أقيم له حفل تكريم يليق بمقام البذل، مفاده بأن الأوطان لا تنسى أبناءها، وأن ما فعله محفور في الصدور قبل السطور، وفي الوجدان قبل العناوين. فإبراهيم رمز للفداء، ومثله تقام له الاحتفاءات امتنانا وعرفانا لمن كتب مجده بدمه.وإننا حين نكتب عنك نكسو حروفنا بالشرف، فأمثالك تروى عنهم الحكايات، وتقال فيهم القصائد، ويرفع لهم العقال احتراما وإجلالا. أنتم دروس من نور، وأفعالكم بصمات خالدة على جبين الوطن، ترددها الأجيال ما دام في الأرض نبض للحياة ووفاء للوطن.
وأستثمر هذه الفرصة بأن أنوه بالدور المجتمعي المحوري في الاحتفاء برموزه الوطنية الذين قدموا تضحيات ضخمة في حياتهم من أجل الوطن. هذا الاحتفاء ليس مجرد مراسم أو كلمات مقدمة لصاحبنا البطل، وإنما هي رسالة أبدية للجيل الحالي والقادم بأن البطولة والفداء لا يضيعان هباء، وأن التضحية في سبيل الله ثم الوطن تخلد صاحبها في الوجدان الشعبي. حين يرى المجتمع أبطاله يكرمون ويستذكرون، ينشأ شعور عميق بالفخر والانتماء، وتغرس قيم الولاء والشجاعة في النفوس، وتصبح مثل هذه المناسبات وانعكاساتها تفوق مئات الدروس التعليمية في الشجاعة والتضحية وحب الوطن والانتماء.
في الختام، وأرى أنه أجمل ختام بأن نترك المجال لصوت البطل الذي عبر عن أصدق مشاعره وتضحياته من خلال كلماته التي رددها:
«أنا لم أفقد أطرافي على أطراف هذا الوطن، وإنما قدمتها فداء لديني، ثم لملكي ووطني. وكم كنت أتمنى أن أنال الشهادة في سبيل الله، فلم تكتب لي، فلا نامت أعين الجبناء».