فودة محمد علي عيشة

الطالب الجامعي وأسئلة حائرة

السبت - 11 أكتوبر 2025

Sat - 11 Oct 2025

أسئلة كثيرة تدور بذهن الطالب الجامعي المستجد، وهو مقدم على فصل دراسي جديد، وهو يودع حياة المدارس الثانوية إلى حياة جديدة تتيح له قدرا من الحرية مع مطالبة ومسؤولية، ويجد نفسه في عالم جديد لم يألفه وحياة واسعة لم يدرك بعد معالمها، وبين الفرح بالالتحاق بالجامعة وشعور بحالة من الاضطراب من هذا الجديد، وشأن الإنسان مع كل جديد يجد نفسه في حالة من التيه، وبينما يطالع الخطة الدراسية لجامعته يجد زحاما من المقررات الدراسية وتصنيفات لم يعهدها ولا سيما وقد أنيط به حرية اختيار جدوله الدراسي، ويتساءل الطالب المتبرم من كثرة المقررات، ما كل هذا؟!! إجباري جامعة، اختياري جامعة، ثم إجباري كلية، واختياري كلية، ثم يأتي في النهاية إجباري القسم، واختياري القسم؟!!، ويتساءل الطالب في حيرة: لماذا كل هذه المقررات؟ ولماذا تفرض علي الجامعة دراسة مقررات في غير تخصصي؟ أليس كافيا أن أدرس المقررات في تخصصي؟! ثم يطل سؤال آخر: عن المتطلبات السابقة؟، فالطالب يريد أن يدرس مقررا ما، لكن يفاجأ أن لهذا المقرر متطلبا سابقا، ولا شك يجد الطالب نفسه في حالة ضيق شديد وتبرم واضح!!

والحق أقول إن الجامعة - بلا شك - تجعل لكل طالب مرشدا أكاديميا تكون مهمته شرح هذه الأبعاد، وتوضيح مغزاها، ويجب على الطالب التعرف عليه ومشاورته في كل ما يتصل بدراسته، والذي يمثل له صاحبا وصديقا وأخا حانيا يشاركه شؤونه ويفضي إليه بهمه وشجونه، ويظل ملازما له من مبدأ التحاقه إلى يوم تخرجه، بل تمتد هذه العلاقة لما بعد التخرج مرورا بالبحث عن الوظيفة، والتقدم لها، وحضور المقابلات، والذي يظل موجها له ومرشدا في كل ما يعن له من أمور، حتى في أموره الخاصة إن أراد ذلك، كما يقضي العرف الجامعي بأن يحدد كل أستاذ على باب مكتبه ساعات لقائه بطلابه وأدوات التواصل معهم، مما يسهل على طلابه الالتقاء به والتواصل معهم.

هذا بالإضافة ليوم التهيئة الذي تخصصه كل كلية لاستقبال طلابها الجدد، حيث تبين لهم ماهية تخصصهم وما سيؤول إليه أمرهم، فضلا عن شرح طبيعة المقررات وكيفية التسجيل بها.

ولكن رغم هذا، وقبل لقاء الطالب بمرشده تطل علامات الاستفهام برأسها، وتصيب الطالب بحيرة شديدة، الأمر الذي قد يؤثر على التحاق الطالب بجامعته أو الانتساب للكلية التي يحلم بها، مما كان حافزا لنا، للإجابة عن تلكم التساؤلات، وكما يقولون: "إذا عرف السبب بطل العجب"!

وإذا ما أردنا أن نجيب عن تلكم الأسئلة، فسنأخذ قسم الاتصال والإعلام كنموذج استرشادي نفسر من خلاله، ومن ثم يستطيع الطالب في أي تخصص أن يفسر بنفسه ويجيب عن تساؤلاته: فعلم الإعلام هو فرع من علم كبير: وهو الاتصال، يتفرع منه عدة فروع منها العلاقات العامة، الإعلان، والدعوة، والتعليم، وعلم الاتصال هو فرع من مجموعة علوم متصلة معا هي العلوم الإنسانية، ومن أجل ذلك فلكي يكون الطالب مؤهلا أكاديميا في مجال الإعلام فلا بد أن يدرس علوم الاتصال الأخرى، وهي شقائق علم الإعلام، وهذه الشقائق بينها اتصال وتكامل وتبادل لدرجة أن ثمة خلطا ما لدى البعض نتيجة هذا التداخل، فبينها عموم وخصوص كما يقول علماء الأصول، لذلك كان حتما أن يدرس الطالب فنون الإعلام، وما يتعلق بهذه العلوم فنجده يدرس الإعلان، والعلاقات العامة، وقياس الرأي العام، ومراسم وبروتوكولات، والتسويق الاجتماعي ..إلخ. هذا فيما يتعلق بمواد تخصصه سواء كانت إجبارية أو اختيارية.

ثم لما كان علم الإعلام يتداخل مع كثير من العلوم ويتأثر بعدد كبير من النظريات السائدة فيها، كان من الضروري أن يلم الطالب بهذه العلوم ذات الصلة الوثيقة بتخصصه والتي تدخل في إطار الدائرة الأشمل لتخصصه، وهي العلوم الإنسانية، ولا سيما تلكم العلوم اللصيقة به، والتي تشكل أقساما علمية في كليته مثل: قسم اللغة الإنجليزية، كلغة يحتاجها للتخاطب فضلا عن ضرورة الاطلاع على كتابات الغربيين في مجال الإعلام، حيث إنهم أسبق في هذا الفن، وقسم علم الاجتماع الذي يشكل لدى طالب الإعلام ضرورة خاصة، إذ من خلاله يتعرف الطالب على مجتمعه، وبالتالي يتعرف على متطلبات جمهور وسائل الإعلام واحتياجاتهم المعرفية، وتكوينه الديموجرافي، وتكتمل الحلقة بقسم اللغة العربية، حيث يدرس الطالب من خلاله بعض علوم اللغة العربية، التي يحتاج إليها في كل كتاباته ومواده الإعلامية الموجهة إلى الجماهير.

ويجد الطالب نفسه خلال عمله الإعلامي مطالبا ألا يقع تحت طائلة القانون نتيجة خطأ ما أثناء أداء عمله؛ لذا كان حتما عليه أن يتعرف على التشريعات والقوانين المنظمة للعمل الذي يقوم به، فضلا عن الأخلاقيات المهنية التي يجب عليه توخيها والالتزام بها، أضف إلى هذا ضرورة معرفته بالتكنولوجيا الحديثة وتقنيات الحاسوب التي أصبحت تشكل وسيلة في حد ذاتها تطلب منه الإلمام بها ومعرفة كيفية استخدامها.

وإذا ما أضفنا لكل ذلك التاريخ الذي يحتاج إليه دوما في معرفة تتبع تطور الظواهر المختلفة، فضلا عن كون التاريخ يمثل مصدرا معرفيا يستعين به في كتاباته وأعماله.. وكذلك بقية مواده الجامعية الاختيارية.

وبهذا يتخرج الطالب ولديه حلقة متصلة من العلوم والمعارف، وتكون شهادة تخرجه معبرة تعبيرا صادقا عن الجامعة التي تخرج فيها، مكتوب فيها: حاصل على بكالوريوس الاتصال والإعلام، وهذا معناه أنه ألم إلماما متقنا بعلوم الإعلام والاتصال المختلفة. ثم: من كلية الآداب، وهذا لا شك معناه أنه ألم بكثير من علوم كليته ذات الصلة بتخصصه من أقسامها المختلفة، ثم يأتي بعد ذلك النسبُ الكبير: جامعة الملك فيصل، فمن الكلية تزود بمقررات دراسية وثيقة الصلة بتخصصه الأساسي، فمتطلبات تخرج الطالب تعكس الهوية الأكاديمية لتخصصه، ولكليته، وجامعته، ليكون انعكاسا لأهداف مؤسسته من خلال مجموعة الدوائر التي تتداخل معا لتعطي منتجا ذا جودة علمية يواكب متطلبات سوق العمل والريادة في مجال تخصصه.

وبهذا يستحق بجدارة أن يكتب له عند تخرجه: حاصل على بكالوريوس الاتصال والإعلام - كلية الآداب - جامعة الملك فيصل. أي أن هذا الترتيب وهذه النسبة ليسا عبثا، ولكنهما واقع دراسي تم اجتيازه بنجاح، مما سيساهم في فتح آفاق أرحب، ومجالات أوسع مع هذا التوسع الدراسي.

ثم يأتي التساؤل الثاني: وهو ما معنى المتطلب السابق؟! فمما لا شك فيه أن المعرفة تراكمية تسلسلية أي تشبه السلم أو الدرج صعودا وهبوطا، أو البوابات المتتالية التي لا يمكن الدخول في أحدها إلا بعد تجاوز ما قبلها، وهذا لا شك في مصلحة الطالب في المقام الأول، فعلى سبيل المثال مقرر مدخل الإعلام متطلب لعدد من المقررات وبالتالي فهذا المقرر يؤصل لعدد من المعارف التي سوف تمثل أساسا استرشاديا للطلاب في كثير من المقررات.. وبالتالي فلو تجاوز الطالب هذا المتطلب معناه أنه سوف يجد نفسه عاجزا عن فهم الكثير من المصطلحات التي سوف تواجهه في المقررات التالية، فيبدأ المقرر الجديد من حيث انتهى المتطلب السابق، وعلى ذلك فقس جميع المقررات...وهنا يستشعر الطالب سهولة وبساطة المقررات الدراسية.