التحصيل العلمي والظروف الأسرية
الخميس - 09 أكتوبر 2025
Thu - 09 Oct 2025
تعد البيئة الأسرية أحد أهم العوامل المؤثرة في التحصيل العلمي للطلبة، خصوصا في مراحل الطفولة المبكرة التي تتطلب متابعة يومية وتفاعلا مستمرا بين المدرسة والمنزل. وتبرز في هذا السياق بعض الظروف الأسرية الطارئة التي قد تؤثر على انتظام الطالب في دراسته، وفي مقدمتها حالة حمل الأم في أشهرها الأخيرة أو فترة ما بعد الولادة، حيث تواجه الأسرة خلالها تحديات تتعلق بالوقت والقدرة على المتابعة والتوجيه والدعم المنزلي، لا سيما في ظل انشغال الأب بالعمل خلال ساعات اليوم.
إن هذه الحالة الواقعية تتكرر في كثير من البيوت، وتنعكس بشكل مباشر على مستوى الاستعداد للاختبارات ومتابعة الدروس اليومية، وهو ما يستدعي من الجهات التعليمية النظر إليها بعين التقدير والمرونة. فالطالب في الصفوف الأولى من التعليم يحتاج إلى دعم مستمر، وغياب هذا الدعم بسبب ظرف أسري طارئ قد يؤدي إلى انخفاض في تحصيله أو فقدان الدافعية للتعلم مؤقتا، رغم أنه ظرف طبيعي ومؤقت في حياة الأسرة.
من هذا المنطلق، يصبح من الضروري أن تتبنى إدارات التعليم آليات واضحة لمراعاة مثل هذه الحالات الأسرية، بما يحقق التوازن بين الالتزام الأكاديمي والبعد الإنساني. ومن المقترحات الممكنة في هذا الجانب، أن يتم تحويل طلاب مرحلة الطفولة المبكرة (من الصف الأول إلى الثالث الابتدائي) إلى نظام التعليم عن بعد مؤقتا في حال إثبات أن والدة الطالب في أواخر الحمل أو في فترة النقاهة بعد الولادة، وذلك لتسهيل متابعة الدراسة دون انقطاع. كما يمكن النظر في دمج اختبارات منتصف الفصل الدراسي مع الاختبارات النهائية، أو تقديم الاختبارات النهائية للطالبات والطلاب المتأثرين بهذا الظرف قبل موعد الولادة، بناء على ما تقدمه الأسرة من تقارير طبية رسمية. ويمكن كذلك دراسة إمكانية إجراء الاختبارات عن بعد وفق ضوابط محددة، تضمن النزاهة وتراعي الجوانب الإنسانية في آن واحد.
إن تبني مثل هذه الإجراءات يعزز من مرونة النظام التعليمي، ويجسد المفهوم الحديث للتعليم القائم على التكيف مع الواقع الأسري والاجتماعي للطالب. فنجاح العملية التعليمية لا يقاس فقط بما يتحقق داخل الصفوف الدراسية، بل بما تبديه المدرسة من فهم وتعاون مع الظروف التي يعيشها الطلبة في منازلهم. إن مراعاة هذه الجوانب تخلق بيئة تربوية أكثر استقرارا، وتغرس في نفوس الأبناء الإحساس بالانتماء والثقة في أن المدرسة شريك في الحياة، لا مجرد جهة للتقييم والدرجات.
وفي الختام، فإن التحصيل العلمي الحقيقي لا ينفصل عن البعد الإنساني للأسرة، ومراعاة الظروف الخاصة للأمهات خلال الحمل أو الولادة تمثل خطوة تربوية راقية نحو تعليم أكثر وعيا وتوازنا وعدالة.
M0hammed_O1@