عبدالحليم البراك

ترميم العلاقات والعمارات!

الاثنين - 06 أكتوبر 2025

Mon - 06 Oct 2025



الصيانة جزء أساسي من حفظ البنية التحتية لأي منشأة، وقد تكون المنشأة حديثة مهملة الصيانة، فتتقادم بشكل مريع للغاية بسبب الإهمال والشروخ القاتلة. وكذلك العلاقات الجديدة المهملة، والتي لا تتعرض للترميم العاطفي باللطف والصراحة والعطف بين الأصدقاء، تنهار بأسرع مما تتخيل، وتكون مليئة بالشروخ والشقوق، وربما تلعب في شروخها حشرات الأمراض النفسية بين الأصدقاء، ويمضي عمرك وكل يوم تتصل بشركة مكافحة الحشرات (حشرات العلاقات!).

صيانة العمارات - إن جاز التعبير - تطيل عمر المبنى بشكل مذهل، حتى إنك لا تتوقع أن هذا المبنى قابل للسكن أو للعمل بسبب عمره المديد وعناية أصحابه به. وكذلك العلاقات الممتدة تطول كلما اعتنى الأصدقاء بأصدقائهم، وكسبوا ودهم، ورمموا الأخطاء التي يرتكبونها بالاعتذارات تارة، وبالهدايا تارة، والكرم تارة أخرى، وبالمداراة أحيانا.

بعض المباني تشبه المتاحف، قديمة وثمينة وغالية جدا، بل ويزورها الناس من أجل أن يروا كم كان التاريخ متغيرا، لكن الحفاظ على هذه الأشياء لم يتغير، بل تكاد تجد بعض المتاحف كأنها مقدسة. والعلاقات كذلك تشبه المتاحف أحيانا، يفتخر الأصدقاء بالصداقة التي امتدت سنوات، ربما ما يقرب من الثمانين أو الستين عاما من العلاقة والتواصل، دون أن يكدرها حسد أو حقد أو ألفاظ نابية، وصارت مضرب المثل لكن تأكد أنه ممنوع اللمس والإساءة والدخول في النوايا بين المحبين، لأن متحف العلاقات والحب بين الناس أهم من متحف المواد!

بعض المباني يمكن الكتابة عليها بلوحة بخط يد رديء: «ابتعد، هذه العمارة آيلة للسقوط»، لا تكاد تمر بجوارها إلا ويصيبك حجر ساقط، أو تهريب ماء قذر، أو أن الأرض مليئة بالحفر. وإن نجوت من هذا كله، فلن تنجو من الغبار الذي يصيبك وكأنك داخل حفرة زيت لتغيير سوائل سيارتك! وبعض العلاقات مثل مبان قديمة مهملة، يكاد يكتب عليها «هذه العلاقة آيلة للسقوط قبل بدء العلاقة أصلا» ولا تبدأ فيها - إن بدأت - إلا ويصيبك الاكتئاب والقلق وشعور بالغثيان مع انتفاخ بالقولون!

المباني لا تقوم بصيانة نفسها، وليست مثل الأجهزة الالكترونية، فبمجرد أن تعيد تشغيلها يتم إعادة ترتيب الملفات بل يجب أن يتدخل العقلاء من أجل إعادة تأهيل هذه المباني مع فكر هندسي راق وذوق لطيف. وكذلك العلاقات بين الناس لا تقوم بصيانة نفسها بنفسها، بل أصحابها هم من يعتنون بها بالمداراة الإيجابية، والحديث الشفاف، و»دمح الزلة».

هل تعلم يا عزيزي أن بعض المباني تحب أن تراها من الخارج أكثر من أن تدخلها وتراها من الداخل؟ فمن الخارج تلمع، وزجاج متقن، وكأنها جنة الله على أرضه. وما إن تدخلها حتى تشعر أنك دخلت سجنا لا مبنى جميلا متألقا من الخارج فاسدا من الداخل، وأن هذا المبنى الذي تمنيت دخوله، تتمنى أن تخرج منه! وكذلك بعض العلاقات، تحب أن تراها وتسمع بها، ولا تحب أن تدخلها أو تمارسها، لأنها علاقات مرضية مرهقة، متعبة للغاية!

أخيرا، بعض المباني لا تنفع فيها الصيانة، ووضع المال فيها مضيعة له، وأفضل حل لها هو إما هدمها وإحلال مبنى آخر مكانها، أو أن تبيع المبنى مع ذكرياته. وكذلك بعض العلاقات، لا ينفع معها صراحة، لا لطف، ولا مداراة، ومهما حاولت الإصلاح فالقلوب مختلفة، والأخطاء لا تنسى، والرقعة لا تغطي الثقب أبدا. والحل فيها هو أن يعيش كلا الطرفين حياته بعيدا عن الآخر، ويذكره بالخير، فإن لم يستطع، فلا يذكره بسوء!