الرعاية الصحية القائمة على القيمة.. التحدي الأبرز في مسار التحول الصحي
الاثنين - 06 أكتوبر 2025
Mon - 06 Oct 2025
استكمالا لما طرحته سابقا حول أهمية نموذج الرعاية الصحية القائمة على القيمة (Value-Based Healthcare – VBH)، الذي يهدف إلى نقل التركيز من الكم إلى الكيف، ومن حجم الخدمات إلى جودتها، وباعتباره أحد الأهداف الاستراتيجية الرئيسة والممكنات المحورية لبرنامج التحول الصحي في المملكة، وجدت أنه من المفيد العودة إليه من زاوية تحليلية مختلفة. ومن خلال قراءاتي المتعمقة في الدراسات العلمية والتجارب الدولية، توصلت إلى أن تطبيق هذا النموذج أثار سلسلة من التحديات والجدليات التي لا تزال تمثل محور نقاش مستمرا بين المختصين وصناع القرار حتى اليوم.
أولا: إشكالية توحيد المقاييس
تعد مسألة تحديد المقاييس المستخدمة لقياس جودة المخرجات من أبرز نقاط الجدل، فالأطراف المعنية، كالممارسين الصحيين وجهات التمويل والمرضى، تختلف في أولوياتها ومصالحها، الأمر الذي يؤدي إلى تباين في تعريف «القيمة» في الرعاية الصحية، ويجعل من الصعب الوصول إلى مؤشرات موحدة تحظى بقبول واسع النطاق.
ثانيا: تباين المرضى
يتمتع المرضى بخصائص صحية واجتماعية ونفسية متباينة تؤثر بدرجة كبيرة في نتائجهم العلاجية. لذا، فإن اعتماد مقاييس موحدة لتقييم الأداء قد لا يراعي هذه الفروق الدقيقة، مما قد يؤدي إلى تقييمات غير منصفة لأداء مقدمي الرعاية. ويثير هذا التباين تساؤلات حول مدى ملاءمة تطبيق مؤشرات متطابقة على مجموعات مرضية متغايرة.
ثالثا: تعديل المخاطر
(Risk Adjustment)
تشكل آليات تعديل المخاطر أداة مهمة لضمان عدالة المقارنات بين مقدمي الخدمة، غير أن الخلاف ما يزال قائما حول المنهجيات الأجدر بالتطبيق؛ فغياب التعديل الكافي يؤدي إلى نتائج مضللة لتقييم الأداء، تنعكس بدورها على معدلات التعويض، ومستوى المساءلة.
رابعا: النتائج قصيرة المدى
ينتقد هذا النموذج أحيانا لأنه يشجع على التركيز على النتائج سهلة القياس وقصيرة الأجل، في حين تهمش النتائج بعيدة المدى الأكثر أهمية لصحة المريض. وهذا قد يضعف الرؤية الشمولية للرعاية ويؤثر سلبا في استمراريتها.
خامسا: الحوافز المالية
رغم أهمية الحوافز المالية في تعزيز الأداء، إلا أنها قد تولد ضغوطا على مقدمي الخدمة للالتزام بمؤشرات محددة، مما يفتح الباب أمام التركيز على الأرقام والمؤشرات الشكلية، بل وربما التلاعب بها، بدلا من جودة الرعاية الفعلية. وهذا بدوره يقوض الهدف الأساسي للنموذج المتمثل في تحسين النتائج الصحية.
سادسا: الوصول إلى الرعاية
يثير تطبيق نموذج VBH مخاوف تتعلق بإمكانية الوصول العادل إلى الخدمات الصحية، حيث قد يلجأ بعض مقدمي الخدمة إلى تجنب الحالات عالية الخطورة خشية أن تؤثر سلبا على نتائجهم. وهذا السلوك، إن حدث، يفاقم التفاوتات ويهمش الفئات الأكثر حاجة.
ختاما، ورغم هذه الجدليات، فإن التجارب الدولية تبرهن أن نتائج هذا النموذج قد تكون إيجابية متى أحسن التطبيق. وإن ما تكشفه تلك التجارب من تحديات يمنحنا في السعودية خطوطا عريضة ينبغي التركيز عليها والعمل على تجاوزها. ومع الخطوات الجادة التي بدأت عبر مبادرات مجلس الضمان الصحي، ومركز الصحة الحكيمة، وتجارب عدد من المستشفيات، أبرزها مستشفى الملك فيصل التخصصي، والمركز الطبي الدولي بجدة، ومجموعة فقيه، يظل الطريق مفتوحا أمام مزيد من التوسع وتراكم الخبرة، غير أن مرحلة التطبيق ستظهر تحديات جديدة مرتبطة بخصوصيتنا المجتمعية والثقافية، واختلاف خصائص مقدمي الخدمات الصحية لدينا، ما يستدعي تبني حلول محلية مبتكرة تضمن أن تبقى القيمة متمحورة حول المريض أولا وأخيرا.