لماذا يجب أن تكون العربية اللغة الأساسية لمؤتمراتنا الدولية؟
الأحد - 05 أكتوبر 2025
Sun - 05 Oct 2025
في عالم اليوم، باتت اللغة أكثر من مجرد وسيلة للتواصل، إنها تعبير عن السيادة الثقافية، وأداة من أدوات القوة الناعمة، ومؤشر على مكانة الأمة في خريطة الحضارة، وإذا كانت المؤتمرات الدولية فضاءات لصناعة القرار وتبادل المعرفة، فإن اللغة التي تدار بها تلك المؤتمرات ليست تفصيلا عابرا، بل خيار استراتيجي يرسم حدود التأثير ومقدار الحضور، ومن هنا يبرز السؤال: لماذا لا تكون العربية هي اللغة الأساسية لمؤتمراتنا الدولية، على أن تترجم بالإنجليزية أو غيرها للوفود الأجنبية؟
أول الأسباب هو الهوية، فاللغة العربية ليست مجرد وعاء للمفردات، بل هي ذاكرة حضارية ممتدة عبر قرون، ولذا لو عقد مؤتمر عالمي في الرياض - مثل مؤتمر الاستثمار الثقافي 2025 - بالعربية أولا، هو إعلان بأن المملكة لا تقدم ثقافتها بلغات الآخرين، بل بلغتها الأم، وتدع العالم يقترب منها عبر الترجمة، وهذا لا يعد انغلاقا، بل ثقة بالذات، وإدراك أن الآخر سيحرص على المتابعة، كما نفعل نحن عندما نستمع للفرنسية أو اليابانية أو الإسبانية في مؤتمرات دولية.
والسبب الثاني هو تعزيز مكانة العربية عالميا، فحين تصبح العربية لغة معتمدة في المؤتمرات الكبرى، سيجد الباحثون والإعلاميون والمؤسسات الأكاديمية حول العالم أنفسهم أمام حافز لتعلمها وتطوير أدواتهم لفهمها، وبذلك تتحول العربية من لغة محلية أو دينية إلى لغة لها وزن في الحقول المعرفية والاقتصادية، شأنها شأن اللغات الكبرى الأخرى.
وثالثا، اللغة ليست حاجزا أمام العالمية، بل هي جسر لها، فحين نتحدث بالعربية ونوفر الترجمة الفورية للإنجليزية، نحقق معادلة مزدوجة:
- نخاطب الداخل بلغة الانتماء والأصالة.
- ونخاطب الخارج بلغة يسهل وصوله إليها.
وبهذا لا نخسر أي جمهور، بل نكسب جمهورين: جمهورا محليا يرى نفسه حاضرا في صلب الخطاب، وجمهورا عالميا يتلقى المحتوى مترجما دون أن يضيع الفكرة والهدف.
ورابعا، اللغة كاستثمار ثقافي، فإذا كان مؤتمر الاستثمار الثقافي يناقش تحويل الفنون والتراث إلى أصول اقتصادية، فإن اللغة العربية نفسها أصل ثقافي ضخم، قيمتها ليست في عدد المتحدثين بها فحسب، بل في كونها لغة القرآن، ولغة إرث أدبي وفكري واسع، واستخدامها في المؤتمرات العالمية هو استثمار في هذا الأصل، وتوسيع لآفاقه، ودفع له إلى أن يكون جزءا من الاقتصاد الرمزي والمعرفي العالمي.
وخامسا، إرسال رسالة حضارية، فحين يرى العالم أن السعودية - وهي مركز ثقل اقتصادي وسياسي - تختار أن تدير مؤتمراتها العالمية بلغتها العربية، فهذا يضيف إلى صورتها قوة مضاعفة، فالثقافة لا تقاس فقط بما نعرضه من محتوى، بل أيضا بالوسيط الذي نقدمه عبره، والعربية هنا ليست مجرد وسيط فقط، بل هي جوهر الرسالة.
وقد يقول قائل: لكن الإنجليزية لغة العلم والاقتصاد. نعم، الإنجليزية لغة مهيمنة في النظام العالمي الحالي، لكن هذا لا يمنع من أن تكون العربية هي اللغة الأصلية في مؤتمراتنا، مع توفير الترجمة اللازمة، فالفرنسية ما زالت لغة معتمدة في المنظمات الدولية رغم محدودية المتحدثين بها مقارنة بالإنجليزية، والألمانية والإسبانية واليابانية تحافظ على حضورها عبر استراتيجيات وطنية واعية، فلماذا لا تكون للعربية المكانة نفسها، خصوصا وهي لغة أكثر من 400 مليون إنسان، ولها عمق حضاري وديني وثقافي لا يضاهى؟
في النهاية، اختيار العربية لغة أساسية للمؤتمرات الدولية - خاصة تلك التي تقام لدينا - هو مشروع استراتيجي لحماية الهوية وتعزيز الحضور الدولي وتوسيع انتشار اللغة، بل إنه إعلان أن العرب يتحدثون بلغتهم، ويدعون العالم أن يصغي، وبقدر ما ننجح في ترسيخ هذا الخيار، فإننا نخطو خطوة إضافية في تحويل ثقافتنا ولغتنا إلى قوة ناعمة مؤثرة، وإلى عملة استراتيجية في زمن تتصارع فيه الأمم على حضورها الرمزي والمعرفي.