غزة بين خطط الإعمار وحقيقة المستفيدين
الثلاثاء - 30 سبتمبر 2025
Tue - 30 Sep 2025
عقد في نيويورك مؤخرا اجتماع على جانب اجتماعات هيئة الأمم المتحدة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعدد من القادة العرب للخروج برؤية تحمل بعض التوازن بين مختلف المرئيات، وتم إصدار وثيقة من واحد وعشرين فقرة ترسم مستقبل غزة، لو تمكنت جميع الأطراف من التوافق عليها.
نقاط من تلك المعاهدة لم يتم الكشف عنها، وما تسرب منها يكشف عن ملامح مشروع مريب يثير كثيرا من التساؤلات.
الهدف الأول والأعظم من هذه الوثيقة هو استعادة الأسرى والرفات الإسرائيلي من غزة بأسرع وقت، والهدف الثاني يؤكد على ضرورة إخراج حركة حماس من المشهد بالكامل!
وبقية الفقرات المعلنة ترسم صورا جديدة للحياة في القطاع المسلوب المنكوب، اعتمادا على شروط ملزمة تحدد من يبقى، وأين يبقى، وكيف يعيش على هامش المشروع الاقتصادي الضخم.
ما يؤكد بأن الغزيين، في حال بقائهم، وعدم استسلامهم لعمليات التهجير لن يحظوا بالمعاملة ذاتها التي ستمنح للإسرائيليين والتجار والمستثمرين القادمين من الخارج.
الخطة تعيد إلى الأذهان رؤية ترامب، التي صرح بها في بداية فترته الحالية، بتهجير أهل غزة وتحويلها لمشروع «ريفييرا الشرق الأوسط» لجذب أثرياء العالم.
هذه الفكرة منهكة وتتطلب كحت وإزالة الركام الهائل، ثم بناء الأبراج، والفنادق والمرافق الاقتصادية والسياحية المرتقبة.
ولكن السؤال المحوري يستمر، فمن الذي سيحظى بالسلطة الأمنية والتنظيمية، ومقدرة الإعمار، ومن سيجني الأرباح الطائلة في مشاريع بتريليونات الدولارات؟
المشهد الأقرب أن الشركات الأمريكية والإسرائيلية، وربما شركات ترامب نفسه، سيكون لها حصة الأسد.
أما الدور العربي فيبدو محصورا في التمويل ورفع الركام وتنفيذ الخطط دون امتلاك حقيقي للأرض أو القرار.
ولا شك أن الشركات المصرية ستحوز على المليارات، بينما يتحول أهل غزة إلى سكان على هامش مشروع اقتصادي يشارك شبابهم في تنفيذه بأرخص الأجور.
نصف بنود الوثيقة لم يكشف عنها، غير أن المعلن منها يضع الفلسطينيين في موقع ثانوي، وخصوصا في مستقبل الملكية، أو حق الإقامة، أو حمل الجنسية!
والخطة أيضا لم تشر إلى السلطة الفلسطينية والضفة الغربية، وهل بضعفها الراهن تستطيع مد هيمنتها على غزة، أم أن دورها لن يتعدى الشكل الاسمي؟
وماذا سيكون للعرب من خلال هذه الرؤية، وخصوصا من لم يطبع بعد مع العدو الإسرائيلي؟
الواضح أن ما يطرح للعرب ليس إعمارا بالمعنى التقليدي، ولا استثمارا ذا مردود كما يتخيل البعض، ولكنه صيغة شرعية لإعادة تشكيل كامل للقطاع وفق منظور خارجي، وبهيمنة إسرائيلية يمنح المستثمرين الامتيازات، ويزيد التضييق على الفلسطينيين المتفرجين على مستقبل لا يملكون منه إلا الحسرات، ما يمكن أن يديم عمليات الإرهاب والانتقام سواء بالدهس أو الطعن أو التفجيرات، ويعطي إسرائيل الفرصة لمزيد من التهجير.
تعقيدات مأساة غزة، بما تحمله من رمزية سياسية وإنسانية، ستصبغ أي مشروع بالغموض والنقص وديمومة الرفض وتنامي حيل الإغراء بالهجرة دون عودة؟
والحقيقة أن غزة ليست مجرد ثغور جميلة مطلة على المتوسط، بل عقدة سياسية وأخلاقية ستنتهك ما بقي للعالم من ضمير إنساني، ومهما غطت وثيقة ترامب على الحقيقة والضعف وشناعة الظلم.
shaheralnahari@