عبدالله علي بانخر

الأمم المتحدة: بين إحقاق الحق وإخفاقات القرارات

الاثنين - 29 سبتمبر 2025

Mon - 29 Sep 2025


لا يخفى على أي متابع لمنظمة الأمم المتحدة منذ نشأتها عقب الحرب العالمية الثانية في عام 1945 الاختلاف الواضح بين قرارات الجمعية العامة وقرارات مجلس الأمن، ونجاح هذه القرارات في إقرار السلام وإحقاق الحق.

إن كمية ونوعية القرارات الصادرة عن الجمعية العامة، سواء بأغلبية مطلقة أو حتى شبه إجماع، قد لا ترى النور في التنفيذ أو حتى تجد طريقها إلى المرور عبر مجلس الأمن. هذا يعود إلى استخدام حق النقض (الفيتو) أو الامتناع عن التصويت. وحتى إذا تم تمرير بعض القرارات وتجاوزت تحديات الرفض أو الفيتو أو حتى الامتناع عن التصويت، فإنها للأسف قد لا تنفذ أو لا توجد آلية مناسبة لتنفيذها.

لذلك، غالبا ما تجهض هذه القرارات، إن لم تُوءَد في مهدها، إما عبر أروقة المفاوضات أو في الغرف المغلقة والممرات الملتوية، أو ربما بسبب ضمائر غير واعية تتبع حسابات المصالح والعوائد المنظورة وغير المنظورة، وليس القيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية.

لعل أحدث مثال على ذلك، وربما لن يكون الأخير، هو التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على مبدأ حل الدولتين، الذي صوت لصالحه 142 دولة، بينما رفضته 6 دول وامتنعت عن التصويت 10 دول. قد يبرر الرفض أو حتى عدم القبول، لكن الامتناع عن التصويت ينقلنا إلى منحى آخر أشد وأدهى في اتخاذ موقف، سواء مع الحق أو ضده. علما بأن الساكت عن الحق شيطان أخرس وشريك في الجرم والإيذاء، وربما يكون أسوأ من الرافض له أو المعترض عليه بوضوح.

بالعودة إلى الأغلبية الساحقة للتصويت لصالح قرار حل الدولتين، بجهود خالصة سعودية وفرنسية، يجد العالم نفسه أمام نجاح متميز بنسبة تصل إلى 90%، في حين تبقى فقط 10% متأرجحة بين رفض يمثل 4% وامتناع عن التصويت يمثل 6%. لا عذر، وعلى العزاء لمن يصوت في وجهة نظري المتواضعة، سواء مع الحق أو ضده. من حق الجميع التأييد أو حتى الاعتراض، ولكن الأسوأ من ذلك كله أن تهدر أصوات التأييد بهذا الشكل الفج والمشين والظالم أمام استخدام سلاح غير إنساني يفتك بالسلام العالمي، وهو الفيتو أو الاعتراض بيد دولة واحدة من بين خمسة أعضاء، حتى لو وافق أربعة منهم.

أما آن للعالم أن يستريح من ظلم الفيتو؟ أو على الأقل التخفيف من سوئه، مثلا إذا كانت هناك أغلبية بين الأعضاء الخمسة أصحاب حق الفيتو، أو بتحسين آلياته لضم أصوات أخرى لتجري بينهم الأغلبية، بدلا من أن يعمم الظلم هكذا بصوت واحد فقط يئد أو يجهض أو يقلل من قيمة أصوات الأغلبية الساحقة.

إلى متى يستمر هذا الظلم الفادح الذي يقوض جهود السلام في العالم أجمع؟

إحصائيات حول قرارات الأمم المتحدة وحق النقض (الفيتو)
منذ تأسيسها في عام 1945، اعتمدت الأمم المتحدة عددا كبيرا من القرارات.

وحتى أواخر عام 2024، كان عدد القرارات الصادرة عن كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن، وعدد حالات استخدام حق النقض، على النحو التالي:
  • الجمعية العامة للأمم المتحدة: أصدرت أكثر من 8,500 قرار. قراراتها عموما ليست ملزمة قانونا، ولكنها تحمل ثقلا سياسيا كبيرا لأنها تعكس إرادة المجتمع الدولي.
  • مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة: أصدر أكثر من 2,700 قرار. هذه القرارات ملزمة قانونا لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
  • حق النقض (الفيتو): تم استخدامه أكثر من 300 مرة من قبل الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن (الصين، فرنسا، روسيا، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة).
الدول الأكثر استخداما لحق النقض (الفيتو)
وفقا للبيانات المتاحة حتى سبتمبر 2025، فإن الدولة التي استخدمت حق النقض أكثر من غيرها هي روسيا (بما في ذلك الاتحاد السوفيتي سابقا).
  • روسيا (بما في ذلك الاتحاد السوفيتي): استخدمت حق النقض أكثر من 120 مرة. استخدمه الاتحاد السوفيتي بشكل متكرر في السنوات الأولى للأمم المتحدة. وبعد فترة من الامتناع النسبي، زاد استخدامه بشكل ملحوظ منذ عام 2011، غالبا فيما يتعلق بالنزاعات في سوريا وأوكرانيا.
  • الولايات المتحدة: تأتي في المرتبة الثانية، بأكثر من 80 مرة. بدأت الولايات المتحدة في استخدام حق النقض بشكل أكثر تكرارا في سبعينيات القرن الماضي، واستخدمته في أغلب الأحيان لمنع القرارات المتعلقة بإسرائيل.
  • المملكة المتحدة: استخدمت حق النقض حوالي 29 مرة.
  • الصين: استخدمت حق النقض حوالي 19 مرة. تاريخيا، كانت الصين الأقل استخداما لحق النقض، لكنها أصبحت أكثر نشاطا في السنوات الأخيرة.
  • فرنسا: استخدمت حق النقض حوالي 16 مرة. لم تستخدم كل من فرنسا والمملكة المتحدة حق النقض منذ عام 1989.
القرارات والفيتو المتعلقة بفلسطين
تعد قضية فلسطين من أكثر القضايا التي تم تناولها في الأمم المتحدة، ولهذا السبب، فإن عدد القرارات والفيتو المتعلقة بها كبير جدا.
  • الجمعية العامة: أصدرت مئات القرارات المتعلقة بقضية فلسطين، يقدر عددها بما يزيد على 700 قرار منذ عام 1947. هذه القرارات، رغم أنها غير ملزمة، تعكس الإجماع الدولي وتقدم دعما سياسيا قويا للشعب الفلسطيني.
  • مجلس الأمن: أصدر أكثر من 100 قرار ملزم قانونيا حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
  • حق النقض (الفيتو): تعد الولايات المتحدة الأمريكية أكثر دولة استخدمت حق النقض ضد مشاريع قرارات تتعلق بفلسطين، حيث استخدمته أكثر من 45 مرة منذ عام 1970.
الفرق بين قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن
الفرق الرئيسي يكمن في طبيعة القرارات وسلطتها القانونية:
  • الجمعية العامة للأمم المتحدة:
  • الطبيعة القانونية: قراراتها غير ملزمة قانونيا.
  • التأثير: تعبر عن الإرادة الجماعية للدول الأعضاء وتتمتع بثقل سياسي وأخلاقي، ولكن لا يمكن فرضها على الدول.
  • صلاحياتها: تختص بمناقشة مجموعة واسعة من القضايا الدولية، ولكنها لا تملك سلطة اتخاذ إجراءات عسكرية أو فرض عقوبات.
  • التصويت: تتخذ القرارات بأغلبية الأصوات بين جميع الدول الأعضاء (193 دولة).
  • مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة:
  • الطبيعة القانونية: قراراته ملزمة قانونيا لجميع الدول الأعضاء.
  • التأثير: يعد قانونا دوليا واجب التطبيق، ويمكن أن يستخدم لتبرير اتخاذ إجراءات عسكرية أو فرض عقوبات.
  • صلاحياته: يختص بشكل أساسي بقضايا حفظ السلم والأمن الدوليين، وله سلطة إصدار قرارات لفرض عقوبات أو السماح باستخدام القوة العسكرية.
  • التصويت: يتكون من 15 عضوا، منهم 5 أعضاء دائمين لديهم حق النقض. يجب أن يحصل أي قرار على موافقة 9 أعضاء على الأقل، بشرط ألا يستخدم أي من الأعضاء الدائمين حق النقض.
في ختام هذا التحليل، يتضح أن دور الأمم المتحدة في تحقيق السلام وإحقاق الحق يواجه تحديات جسيمة، تتراوح بين اختلاف الآراء السياسية واستخدام حق النقض الذي يقيد إرادة المجتمع الدولي. تتطلب الأزمات المعقدة مثل قضية فلسطين تحركا جادا وفعالا من جميع الأعضاء، لضمان أن تكون القرارات الصادرة عن الجمعية العامة ومجلس الأمن قادرة على تحقيق نتائج ملموسة.

إن استمرار استخدام الفيتو كوسيلة لعرقلة القرارات، حتى عندما تكون هناك أغلبية ساحقة تؤيدها، يشكل عائقا كبيرا أمام السلام العالمي. يجب أن نسعى جميعا، كدول ومنظمات ومؤسسات، إلى إصلاح آليات الأمم المتحدة بما يتماشى مع مبادئ العدالة والمساواة.

فلا يمكن أن يستمر هذا الظلم الفادح إلى ما لا نهاية. إن الإصرار على تحقيق السلام وضمان حقوق الشعوب هو مسؤولية مشتركة، تتطلب وعيا جماعيا وتحركا حقيقيا من جميع الأطراف. الأمل في عالم أكثر عدلا يسكن قلوبنا، وعلينا العمل لتحقيقه، لأن السلام المستدام هو السبيل الوحيد لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.