عبدالله قاسم العنزي

الشراكات غير المكتوبة: متى تتحول من فرصة إلى نزاع؟

الاثنين - 29 سبتمبر 2025

Mon - 29 Sep 2025


في ليلة يغمرها الحماس، جلس ثلاثة أصدقاء في مقهى شعبي، يتحدثون عن المستقبل وكأن الدنيا ملك لأيديهم. أحدهم قال «نفتح متجرا الكترونيا، التجارة اليوم في الشبكة لا في السوق». ابتسم الثاني وأضاف «وأنا أتكفل بالتصميم والتسويق». أما الثالث فرفع يده قائلا «ورأس المال عليّ». ارتفعت الأصوات بالضحك، وتصافحت الأيادي، وكأن الصفقة قد تمت. لم يفكر أحدهم أن الكلمات الطائرة في الهواء قد تثقلها الأيام بدعاوى قضائية، وأن الشراكة بلا ورق لا تبنى بل تغامر.

إن القانون لا يعارض الحلم، لكنه يشترط له جناحين: وضوح وتوثيق. فنظام الشركات ينص في مادته الثانية على أن عقد الشركة لا يقوم إلا مكتوبا ومسجلا. ونظام المعاملات المدنية (المادة 92) يعلن قاعدة ذهبية «العقد شريعة المتعاقدين». لكن أي شريعة لعقد لم يكتب؟ وأي حماية لشريك لم يحصن نفسه بورقة وقلم؟

خذ المثال الأول: شابان اتفقا أن يشتركا في مقهى عصري. الأول وضع المال، والثاني وعد بالخبرة والإدارة. مضت الشهور، وامتلأ المقهى بالزبائن، ثم بدأت الأرباح. هنا انقلب الوئام إلى خصام، كل يدعي أنه الأحق بالنصيب الأكبر.

ولأن العقد لم يكتب، لجأ القاضي إلى رسائل هاتفية وحوالات بنكية ليثبت وجود الشراكة. نزاع كان يمكن أن ينتهي بجلسة ودية لو أن الأوراق سبقت الكلمات.

والمثال الثاني أشد قسوة: ثلاثة شركاء اتفقوا على شراء أرض بنية بيعها بعد ارتفاع أسعارها. اتفقوا شفهيا على القسمة، لكن عند البيع استأثر أحدهم بالثمن، محتجا بأن الصك باسمه وحده. لم يجد القاضي ما يثبت ما دار في المجالس، فقضى بما في السجلات الرسمية. وخرج الشركاء الآخرون بخسارة، وتعلموا أن الأرض تقسم بما كتب لا بما قيل.

نؤكد أن القانون هنا ليس متفرجا، بل حَكم يعدل بين الطموح والواقع. فهو يقرر أن الشراكات الشفهية جائزة، لكن عبء الإثبات ثقيل. والمادة (52) من نظام المعاملات المدنية توجب أن يكون محل العقد معلوما محددا، فلا يكفي أن نقول «مشروعا مربحا»، بل يجب أن نوضح رأس المال، نسبة الأرباح، وطريقة الإدارة. ومن أهمل ذلك فقد فتح باب النزاع على نفسه.

القصة الثالثة تنبّه أكثر: أب وابنه وصديق للعائلة اتفقوا على فتح متجر صغير. لم يكتبوا عقدا، اكتفوا بالثقة القديمة. مات الأب، فجاء الورثة يطالبون بحقهم، لكن الشريك أنكر وجود أي شراكة. هنا طال النزاع سنوات، وضاعت الأموال، وتحولت الثقة إلى خصومة بين عائلات.

في النهاية، يتبين أن الشراكة غير المكتوبة تشبه بيتا بلا أساس؛ قد يقف قليلا لكنه سرعان ما يسقط عند أول ريح. والأنظمة ليست قيودا كما يظن البعض، بل هي سياج يحمي العلاقات من الانهيار. فمن أراد أن يحفظ صداقته، فليكتب عقدا يحدد الحقوق والواجبات. ومن أراد أن يحمي مشروعه، فليلتزم بالتوثيق قبل أن يدخل السوق.

فالنية الطيبة لا تكفي، والود لا يغني عن الورق، ومن تجاهل القانون اليوم قد يطلب حمايته غدا. وهنا فقط ندرك الحكمة: أن النظام ليس ضد الثقة، بل هو الذي يحفظها من الانكسار.

expert_55@