العمران السعودي وسردية البناء
السبت - 20 سبتمبر 2025
Sat - 20 Sep 2025
ها نحن نحتفل في يوم الوطن المجيد، وفيه تتجدد الذكرى وتسمو المعاني التي نستحضر فيها سردية مستمرة وملهمة بين عمارة الإنسان والمكان. مسيرة النهضة العمرانية في المملكة العربية السعودية، تلك المسيرة التي انطلقت من رؤية المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود - طيب الله ثراه - لبناء كيان أساسه التوحيد، وعماده الإنسان، وسقفه طموح يصل لعنان السماء. مسيرة دولة حديثة قامت على ثنائية توحد بين تنمية الإنسان والمكان. لقد أرسى المؤسس - طيب الله ثراه - دعائم هذه الدولة المباركة بفكر استراتيجي يؤكد على الاستقرار كمدخل للتنمية؛ إذ لا يمكن تنمية مجتمع يقوم على الترحال من مكان إلى آخر. كان شغله الشاغل توطين البادية وبناء أركان العمران عبر إنشاء البنى التحتية وتأسيس مقومات الحياة الكريمة، فكانت البداية حجر الأساس في مسيرة حضرية متجددة تجلت في مشروع «توطين البادية».
«العزم أبو الحزم أبو الظفرات» شعار يؤكد على أهمية السرعة في الإنجاز، والحزم في اتخاذ القرار، والعزم نحو تحقيق الأهداف والنجاحات، ليواصل أبناؤه الملوك البررة من بعده مسيرة البناء والتشييد بالعزيمة والحزم والعزم، فازدانت المدن بالجامعات والمستشفيات والمراكز البحثية، وتوسعت المرافق والخدمات، ليغدو العمران السعودي شاهدا على أن التنمية ليست مجرد مساكن تشيد أو خدمات أو طريقا يمهد؛ بل هي وقبل كل شيء تنمية للمجتمع. وجاءت برامج التعليم والابتعاث لتؤكد أن العمارة هي استثمار في الإنسان السعودي.
وجاء عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظة الله - ليشكل امتدادا أكثر إشراقا لهذه المسيرة، حيث تجلت رؤية المملكة 2030 كوثيقة طموحة أرست معالم وطن حديث يتكئ على ثلاثة مرتكزات راسخة وهي مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح. رؤية لم تكن وليدة اللحظة؛ بل ثمرة خبرة «سلمانية» في إدارة المدن السعودية لأكثر من خمسة عقود حينما قاد تحولات العاصمة الرياض لتغدو مثالا يحتذى في التنمية العمرانية. توجه فكري عميق وفلسفة يؤكدان على مبدأ راسخ في العمارة السعودية، فالعمران هو وقبل كل شيء «عمران النفس، وعمران الروح بالإيمان بالله عز وجل، وهذا العمران الداخلي والروحي هو الذي أعطانا الفرصة حتى تعمر أرض الله». دعوته الدائمة أن يكون «هناك تخطيط عمراني يخدم بلادنا ويخدم أصالتها ويؤصل أصالتها الموجودة فيها» تكللت بمبادئ لميثاق الملك سلمان العمراني.
ثم مضى ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - القائد الملهم، قائد الحزم والعزم، ليكون عراب الرؤية ورجل التحول الأكبر في تاريخ المملكة العربية السعودية الحديث. فانطلقت مشاريع جبارة مثل نيوم، والقدية، والبحر الأحمر؛ وبرامج تسعى لاستشراف المستقبل بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، والمدن الذكية، والطاقة البديلة، لتجسد أن المدن السعودية لم تعد مجرد مستقرات عمرانية، بل تسعى للبناء والتحول إلى محركات اقتصادية ومراكز عالمية للابتكار والسياحة والاستثمار، مستندة إلى مقوماتها الطبيعية والثقافية والتاريخية.
إن سردية العمران السعودي لم تكن في يوم من الأيام موجهة نحو البناء بحد ذاته، بل كانت وسيلة لصناعة إنسان فاعل، ووطن شامخ. سردية ما زالت مستمرة تتجاوز الحجر لتحتفي بالإنسان، بأبعاد تخطت المكان لتصوغ المستقبل، وليظل هذا الوطن المبارك نموذجا عالميا في بناء الحاضر وصناعة الغد. وفي يوم الوطن، نقف جميعا أمام هذه السردية التاريخية بفخر واعتزاز، ونستشرف في ظل القيادة الرشيدة مزيدا من المنجزات التي تليق بوطن جعل من التنمية والعمران رسالة حضارية وراية خضراء خفاقة.