أسامة عبدالله زيتوني

العمالة الوافدة وحاجة سوق العمل

الخميس - 18 سبتمبر 2025

Thu - 18 Sep 2025


تمثل الاقتصادات المزدهرة نقطة جذب للعمالة الأجنبية سواء الأيدي العاملة أو العمالة الماهرة والمتخصصة والاحترافية، ولا شك أن المملكة بشكل عام تشهد حاليا طفرة كبيرة ونموا اقتصاديا عاليا، حيث إن هذا الانتعاش الذي يشهده الاقتصاد السعودي، والنمو القوي والتطور المتسارع في مختلف الأنشطة، جعل الأسواق السعودية مقصدا وهدفا للعديد من الجنسيات، ورغم ارتفاع مستويات التوطين وانخفاض مستوى البطالة بين السعوديين التي تشير لها الإحصائيات..

إلا أن الحاجة ما زالت قائمة إلى استقطاب الأيدي العاملة الماهرة والمتخصصة من العمالة غير السعودية، مع ما تشهده المملكة من التنمية المستمرة والتطور الدائم الذي يفرض على السوق السعودي هذه الحاجة للعمالة المتخصصة، وخاصة أنه لا يزال هناك بعض المهن الشاقة التي تواجه شبه عزوف من قبل الشباب السعودي عن ممارستها، وهو ما يتضح جليا في الإحصائيات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، التي تشير إلى أن معظم المهن التي تتركز فيها الأيدي العاملة الوافدة تعتبر من المهن التي يقل الإقبال عليها من الأيدي العاملة الوطنية.

وهو الأمر الذي يؤكد أن وجود العمالة الوافدة بالشكل المنظم لا يمثل عبئا على الاقتصاد ولا يضر به، بل إنه يساهم في تطوير الاقتصاد ودعمه، لا سيما إذا ما كان مبنيا على أسس ودراسات ميدانية ومتوافقة مع حاجة السوق، وخصوصا أن قيادة المملكة فتحت المجال لأكبر عدد ممكن من الفرص الوظيفية في سوق العمل للكوادر الوطنية، مع تنظيم وتحسين بيئة العمل وحماية حقوق الجميع، فهي تعمل بشكل متوازن، من خلال ترشيد استقدام الوافدين واستقطاب ذوي الخبرة والكفاءة وأصحاب المهن التي يمكن أن تضيف للاقتصاد الوطني، بحيث لا تكون العمالة عبئا أو خصما لفرص الأيدي العاملة الوطنية.

وفي ظل كل هذه التنظيمات وهذا النمو والتطور المتسارع، إلا أنه لا تزال هناك بعض الممارسات السلبية من قبل بعض الأفراد أو المؤسسات، فهناك العديد من المؤسسات التي قد تكون وهمية، والتي تقوم باستقدام العمالة وتركها دون عمل، مما يضطر هذه العمالة إلى البحث عن أعمال بطرق غير نظامية، وربما يمارسون مهنا لا يجيدونها ولا يتقنونها، وإنما للكسب المادي فقط، كالسباكة أو الكهرباء.. فهم بوجودهم وعشوائيتهم يشكلون خطرا اجتماعيا وأمنيا كونهم عاطلين ويبحثون بأي طريقة للحصول على المال، إضافة إلى أن استمرار هذه الظاهرة يلحق أضرارا متعددة سواء بالمؤسسات المرخصة التي تدفع الرسوم وتلتزم بالأنظمة، أو بالمستهلك وضياع حقه بسبب عدم وجود عقد ولا جهة تحاسب عند التقصير، بالإضافة إلى ما قد يقع من مخاطر السلامة في أعمال الكهرباء أو البناء أو النقل بلا معايير أمان.

ومع الأسف فإن هناك العديد من المستهلكين الذين يلجأون لهذه العمالة السائبة ويبحثون عن خدماتهم بسبب انخفاض الأسعار وسهولة الوصول إليها رغم خطورتهم ورغم تحذيرات الجهات الأمنية بعدم التعامل معهم.

ولقد أحسنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية عندما أقرت برنامج (الاعتماد المهني) الذي يهدف إلى رفع كفاءة السوق وتعزيز موثوقية مهارات العمالة الوافدة في مختلف القطاعات في المملكة، من خلال إجراء اختبارات نظرية وعملية وتطبيقية في المجالات المهنية والحرفية، للتأكد من جاهزية العامل الوافد لسوق العمل السعودية في مختلف المهن وتقييم مستوى المهارات والتأكد من حاجة المؤسسة فعليا للعامل، ومن المفترض أن يعمل البرنامج على ضمان صحة وموثوقية المؤهلات والخبرات للعمالة الوافدة، ويهيئ بيئة تنافسية منتجة، من خلال مواءمة المؤهل العلمي مع الإمكانيات الفردية للعمالة وضمان التزام المؤسسة، إلى جانب تغطية مختلف التخصصات التي يحتاجها سوق العمل، مما يسهم في تعزيز وتقنين عمليات الاستقدام والحد من تدفق العمالة غير المؤهلة والقضاء على العمالة السائبة، وتهيئة بيئة عمل أكثر إنتاجية وتنافسية، ورفع كفاءة سوق العمل.

والأمل معقود بمشيئة الله تعالى بأن يحقق هذ البرنامج النتائج الإيجابية المتوقعة في القضاء على التدفق العشوائي للعمالة.. والحد من بعض الظواهر السلبية مثل ظاهرة العمالة السائبة والعاطلة عن العمل، والتي تمثل خطرا اقتصاديا رغم انحسارها في الآونة الأخيرة، إلا أنهم لا يزالون يمثلون جزءا كبيرا من اقتصاد الظل أو الاقتصاد غير النظامي، نظرا لكونهم لا يتبعون لأي مؤسسات رسمية وهو ما يصعب تتبعهم ومراقبتهم، فهم أيضا بيئة خصبة للمخالفات وعدم الالتزام بالأنظمة بأنواعها ابتداء من نظامي الإقامة والعمل مرورا بامتهانهم أعمالا مخالفة فيها من الغش والخداع كونه لا يوجد من يراقب عملهم، ناهيك عن الخطر الأمني والاجتماعي والاقتصادي، بالإضافة إلى ما يمكن أن يشكلوه من منظر غير حضاري ولا إنساني ولا يليق بما تشهده المملكة من تطور وازدهار.

لذلك نتمنى من الجهات المختصة إقامة حملات مشتركة لتصحيح أوضاعهم وتشديد الحملات التفتيشية على مواقع تجمعهم، ومتابعة من كان خلف تمكينهم وكفالتهم وإقامة حملات توعوية لزيادة وعي المجتمع بخطورة التعامل مع المخالفين وتوفير بدائل رسمية عبر مكاتب عمل أو منصات الكترونية موثوقة ودعم المنشآت الصغيرة التي توفر عمالة نظامية بجودة وأسعار منافسة.