عبدالله حسن الزهراني

نموذج الرعاية الصحية القائمة على القيمة

الخميس - 18 سبتمبر 2025

Thu - 18 Sep 2025


لفت انتباهي، خلال قراءتي لعدد من الأوراق العلمية وتجارب المؤسسات الصحية حول العالم، تزايد التركيز على الرعاية الصحية القائمة على القيمة (Value-Based Healthcare – VBHC)؛ وهو نموذج حديث صاغ ملامحه مايكل بورتر، الذي عرف القيمة بأنها النتائج الصحية المتحققة لكل وحدة تكلفة، ويهدف هذا النموذج إلى تحقيق أفضل النتائج الصحية للمريض بأقل تكلفة ممكنة، قائما على مبدأ (الدفع مقابل النتيجة) بدلا من النموذج التقليدي (الدفع مقابل الخدمة)، وبهذا لا تقاس قيمة الرعاية بعدد الإجراءات والفحوصات، بل بما ينعكس فعليا على صحة المريض وجودة حياته.

وقد تأكدت جدوى هذا النموذج من خلال عدد من التجارب العالمية التي عكست أثره المباشر على المرضى، ففي الولايات المتحدة، سجلت تقارير كليفلاند كلينك تحسنا واضحا في معدلات البقاء على قيد الحياة، وانخفاضا في إعادة التنويم ضمن برامج مخصصة مثل رعاية فشل القلب، كما أظهرت بيانات مستشفيات بوسطن ارتفاعا في رضا المرضى، وتحسنا ملحوظا في مستوى التواصل بين الطبيب والمريض عند اعتماد مقاييس النتائج التي يبلغها المرضى (PROMs)، أما في أوروبا، فقد برهنت شبكة سانتيون، وهي شبكة هولندية تضم سبعة مستشفيات تعليمية كبرى، أن تبني هذا الإطار أسهم في رفع دافعية الفرق الطبية، وأدى إلى تقليص إعادة العمليات في أورام الثدي بنسبة بلغت 74% في بعض المستشفيات.

غير أن النموذج لا يخلو من تحديات، أبرزها غياب معايير موحدة لقياس المخرجات عبر مختلف الأمراض، وصعوبة بناء قواعد بيانات دقيقة طويلة المدى، فضلا عن الأعباء الإدارية التي تستهلك وقت الكوادر الصحية على حساب وقتهم مع المرضى، كما أن محدودية الشفافية في إعلان النتائج تقف عائقا أمام المقارنة المعيارية واعتماد التحسين القائم على الأدلة.

وللتعامل مع هذه التحديات، يتطلب الأمر خطوات عملية محددة، تبدأ بتوحيد معايير قياس المخرجات لمختلف الأمراض، وتطوير بنية رقمية متكاملة تتيح جمع البيانات وتحليلها بدقة واستمرارية، كما أن توفير أنظمة معلومات صحية ذكية يخفف الأعباء الإدارية عن الكوادر الصحية ويمنحهم وقتا أكبر للمريض، فيما يعد تعزيز الشفافية وربط الحوافز بالتحسين الفعلي مفتاحا لبناء بيئة تنافسية صحية بين مقدمي الخدمات، تدفعهم إلى رفع القيمة المقدمة للمريض، وتزداد هذه الخطوات أهمية اليوم، مع ما يشهده القطاع الصحي من تغييرات في إطار برنامج التحول الصحي، أحد برامج تحقيق رؤية المملكة 2030، حيث يشكل هذا النموذج فرصة لإعادة صياغة العلاقة بين التكلفة والجودة بما ينعكس مباشرة على جودة الحياة وصحة السكان.

ختاما، ورغم ما يكتنف تطبيق نموذج الرعاية الصحية القائمة على القيمة من صعوبات، فإن معظم الدراسات الحديثة تجمع على أن نجاحه يرتكز على ثلاث ركائز: أن تقاس النتائج بما يعني المريض فعلا، وأن تربط هذه النتائج بما ينفق عليها من موارد، وأن يتاح للمريض أن يكون شريكا حقيقيا في رحلته العلاجية.

AbdullahAlhadia@