أحمد محمد القزعل

هناك فردوس آخر

الأربعاء - 17 سبتمبر 2025

Wed - 17 Sep 2025

يبحث الإنسان منذ فجر التاريخ عن السعادة، ويجتهد ليصنع لنفسه ولمن حوله بيئة مريحة وآمنة، تشبه في نقائها وجمالها الفردوس، لكن الفردوس الذي نتحدث عنه هنا ليس مكانا أسطوريا بعيد المنال، بل هو حالة من السلام الداخلي والانسجام المجتمعي يمكننا أن نعيشها على هذه الأرض.

إن الأمل هو الذي يقود الإنسان لفعل الخير ويدفعه نحو البناء والعطاء والمثابرة، وعندما نختار أن نرى الجوانب المضيئة في حياتنا، أي الأخذ بالإيجابيات، فإننا نضع لبنة أساسية في بناء هذا الفردوس المنشود، لكن هل نستطيع حقا أن نجعل من الحياة كأنها فردوس الدنيا؟ ربما نستطيع إذا أحببنا بعضنا وتشاركنا الآلام والأفراح، وتعاونّا من أجل غاية إنسانية سامية.

الأمل ليس مجرد شعور جميل يريح القلب، بل هو طاقة هائلة تدفع الإنسان إلى الإبداع والعمل، وفي الأوقات العصيبة عندما تحيط بنا الصعوبات من كل جانب، يكون الأمل هو النور الذي يرشدنا، وعندما يقودنا الأمل نجد أنفسنا نميل إلى فعل الخير، ليس بدافع الواجب فقط، بل لأننا نؤمن بأن أفعالنا الطيبة ستثمر يوما ما، ذلك أن الخير والأمل متلازمان: الأمل يزرع الدافع والخير يحصد النتائج.

وفي عالم يمتلئ بالأحداث السلبية والأخبار المحبطة، يصبح التركيز على الإيجابيات ضرورة نفسية واجتماعية، ذلك أن الأخذ بالإيجابيات لا يعني إنكار الواقع أو تجاهل المشكلات، بل يعني اختيار زاوية النظر التي تمنحنا قوة للاستمرار، فالشخص الذي يرى نصف الكوب الممتلئ أكثر قدرة على مواجهة التحديات من الذي ينظر إلى نصفه الفارغ، ومن خلال هذا المنظور الإيجابي نستطيع أن نحافظ على توازننا النفسي وننشر طاقة التفاؤل في محيطنا، مما يسهم في بناء المستقبل الذي ننشده.

عندما نحب بعضنا ونتشارك الآلام والأفراح سوف نصنع الفردوس، فالمجتمعات التي يسودها الحب والتعاطف أكثر قدرة على التقدم والابتكار وأكثر صلابة في مواجهة الأزمات، والحب هنا لا يقتصر على العاطفة بين فردين، بل يشمل حب الخير وحب العمل وحب الإنسانية جمعاء، أما المشاركة فهي التعبير العملي عن هذا الحب: مشاركة الطعام مع الجائع، مشاركة الوقت مع المحتاج، مشاركة الحزن مع المتألم، ومشاركة الفرح مع السعيد، وهذه المشاركة تذيب الحواجز بين الناس، وتجعل المجتمع كجسد واحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمّى.

الفردوس الأرضي ليس مكانا بلا مشاكل، بل هو بيئة يتعامل فيها الناس مع مشاكلهم بوعي، ويتعاونون لإيجاد الحلول بدل تبادل اللوم، هو مجتمع يجد فيه كل فرد دعما نفسيا ومعنويا، ويُقدَّر فيه العمل الصالح ويحتفى بالإنجاز مهما كان صغيرا، ولتحقيق ذلك يجب أن نبدأ من ذواتنا: نغير طريقة تفكيرنا، نزرع الأمل في قلوبنا، ونتبنى أسلوب حياة إيجابيا، ونتدرب على العطاء بلا انتظار مقابل.

الفردوس الذي نحلم به ليس خيالا بعيدا، بل يمكن أن نصنعه بأيدينا إذا آمنا بأن الأمل يقودنا لفعل الخير وإذا تمسكنا بالإيجابيات رغم الصعوبات، وإذا أحببنا بعضنا وتشاركنا آلامنا وأفراحنا، عندها لن يكون الفردوس وعدا مؤجلا في الآخرة فقط، بل سيكون واقعا نعيشه في حياتنا اليومية، حتى ولو وسط عالم مليء بالتحديات والصعوبات، لنجعل من حياتنا رسالة أمل، ولنصنع معا فردوسنا على هذه الأرض، فردوسا يليق بإنسانيتنا.