تغييرات في مكاتبنا محمودة!
الثلاثاء - 16 سبتمبر 2025
Tue - 16 Sep 2025
أمس القريب كانت مكاتبنا جامدة لا حراك فيها، وتبدو وكأنها روتين قاتل، فالمكتب يعني موظفا وملفا وطاولة، ربما غبارا وربما نظيفة بحسب الموظف ومرتبته ومنصبه، ولكن ليس ثمة فرق كبير. أما الساعة الأكثر إثارة فهي ساعة الخروج من الدوام وبعد النقلات الكبيرة التي تشهدها المملكة تغيرت المكاتب وثمة حياة أخرى مختلفة.
خذ أبسط مثال: دورات المياه. لم تعد مجرد مكان لقضاء الحاجة، بل صارت لوحة فنية مشوشة. قبل أن تدخل الباب، عليك أن تركز: هل الرمز رجل ببنطال، أم سيدة بتنورة، أم لحية مستديرة على وجه ضائع الملامح؟ المسألة لم تعد مجرد حمام للرجال أو للنساء، بل اختبار سريع لمدى وعيك بالعلامات والرموز.
ثم إننا لم نعد نغادر هذه الأماكن كما كنا سابقا: بالأشمغة مرفوعة على الأكتاف والخطوات الثقيلة. اليوم، لا خروج قبل تعديل الهندام، وتلميع الشخصية، ورشة عطر على عجل. لم يعد مقبولا أن يراك زميلك بصلعة متلألئة أو شعرات متصارعة تحت الغترة. أما السيدات فقد حولن دورات المياه للسيدات إلى محطات أناقة مصغرة، حتى إن كريم الأساس يترك بعض بصماته على المرايا كإعلان رسمي بوجود «ميك أب المكتب»، وهو علبة تجميلية مخصصة للدوام تختلف عن ترسانة البيت!
الشباب أيضا لم يسلموا من التغيير. صاروا ينتقون كلماتهم كما ينتقون ماركات ساعاتهم وأحذيتهم. عبارة «يا خالة» اختفت من القاموس، كأنها جريمة لغوية، لتحل محلها كلمة سيدة بدلا من امرأة وتوجيهات وتعليقات بروتوكولية أنيقة ورسمية. أما المرآة الصغيرة فلم تعد محصورة في الشنط النسائية؛ بل غزت المكاتب لتطمئن الجميع أن المظهر بخير. أضف إلى ذلك «الستيكر» على فأرة الكمبيوتر، وزجاجة عطر صغيرة على الطاولة، وماكينة قهوة شخصية، وكأننا في مقهى متنقل لا في بيئة عمل!
الكلمات الجافة أيضا أصبحت من الماضي. لم نعد نسمع «صباح الخير» الثقيلة بصوت أجش، بل صارت المكاتب تمطر بعبارات مثل «صباح الورد» و«صباح الياسمين»، وكأن المكتب حديقة وردية ولعل أجمل ما في الأمر أن الأسئلة لم تعد عن الملفات والعمل فحسب، بل عن «سوسو» قطة الجيران و«نونو» الهامستر العزيز على قلب أحد الزملاء.
وحتى الأبواب تغيرت وظيفتها. في السابق كانت ذراع الرجل تفتحها بعنف، وتغير كل ستة أشهر، وكأنها تحارب خصما لدودا. اليوم، المشهد مختلف: السيدة هي التي تبادر بفتح الباب، تمسكه برفق، ثم تمضي بهدوء، الشاب يفتح الباب ثم يدعوك بالدخول قبله وكأنك ضيف في فندق خمس نجوم.
الآن، الساعات الأكثر إثارة هي نفسها وقت الخروج من الدوام أيضا، لكن كل موظف وموظف يضبط الهندام فلا يدري من سيقابل ومن سيتحدث معه، ومن سيراه عند الباب ومن سيفتح الباب للثاني وبعد أن كنا نتسابق من بوابة الخروج بالسيارات من الدائرة صرنا نقول تفضل أنت، أو تفضلي أنتِ!