لبنان وخيار الدولة: السلاح يجب أن يكون بيد الجيش
الثلاثاء - 16 سبتمبر 2025
Tue - 16 Sep 2025
لم يعد أمام لبنان الدولة والشعب ترف الوقت أو مساحة المراوغة. فبعد عقود من التعايش مع ازدواجية السلاح والقرار، جاء اليوم الذي يطرح فيه السؤال الحاسم: هل يكون القرار الأمني والعسكري في يد الدولة اللبنانية وحدها، أم يبقى رهينة ميليشيات مسلحة تعمل بالوكالة عن قوى إقليمية؟
لحظة مفصلية
القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء اللبناني الشهر الماضي بقبول المقترح الأمريكي، الداعي إلى فرض سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، وترسيم الحدود مع إسرائيل، ونزع سلاح حزب الله، ليس مجرد بند سياسي عابر، إنه لحظة مفصلية في مسيرة الكيان اللبناني منذ تأسيسه قبل أكثر من قرن. فالبلد الذي عانى من حرب أهلية طويلة، ونجح في صياغة اتفاق الطائف برعاية سعودية كإطار لإنهاء الحرب الأهلية، يجد نفسه اليوم أمام اختبار مشابه: هل يستطيع أن يفرض هيبة الدولة على الجميع؟ والخروج من عنق الزجاجة.
هذا القرار، بقدر ما هو جريء، يحمل في طياته رسالة واضحة: لبنان لا يمكن أن يستمر دولة إذا بقي السلاح خارج مؤسساتها. لقد أثبتت التجارب أن أي ازدواجية في السلطة تؤدي إلى شلل سياسي وتفكك اجتماعي، وأن أي جماعة تمتلك سلاحا خارج سلطة الدولة تفتح الباب واسعا أمام التدخلات الخارجية.
الجيش اللبناني: الضمانة الوحيدة
الجيش اللبناني، رغم ضعف إمكاناته مقارنة بالجيوش الإقليمية، يبقى المؤسسة الوطنية الجامعة الوحيدة. في بلد متنوع طائفيا وسياسيا، يمثل الجيش رمزا لوحدة الدولة وسقفها الأعلى. تكليفه بوضع خطة لنزع سلاح الميليشيات، وفي مقدمتها حزب الله، يعد خطوة غير مسبوقة. صحيح أن الجيش يواجه صعوبات، ولا يرغب في انزلاق يؤدي إلى انقسام داخلي يعيد مشاهد 1976 و1984، لكن لا بديل عن منحه الشرعية والدعم ليكون صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في الأمن والدفاع.
حزب الله في مأزق داخلي
حزب الله، الذي تأسس في ثمانينيات القرن الماضي كحركة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، يواجه اليوم مأزقا داخليا غير مسبوق. بعد انسحاب إسرائيل من الجنوب عام 2000، ثم حرب 2006، كان الحزب يقدم نفسه كدرع لبنان. لكن السنوات الأخيرة أثبتت أن سلاحه لم يعد وسيلة لحماية لبنان، بل أصبح ورقة إيرانية في صراعات إقليمية تمتد من سوريا إلى العراق واليمن الذي جعل الحزب في موقف أخلاقي صعب أمام الشعوب العربية.
الحزب يرفض نزع سلاحه، بحجة أن المقاومة ضرورة في مواجهة إسرائيل. لكن الحقيقة أن لبنان، الغارق في أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية، لم يعد يحتمل كلفة هذا السلاح. فكلما تشدد الحزب في فرض إرادته، زاد عزلة لبنان، وتراجعت فرصه في الحصول على دعم دولي أو عربي. وفي المقابل، فإن قدرته العسكرية تراجعت بفعل الضربات الإسرائيلية المركزة التي طالت قياداته وبنيته التحتية.
إن مأزق الحزب اليوم يتلخص في معادلة صعبة: إذا تمسك بسلاحه، يعرض لبنان إلى مواجهة عسكرية مدمرة مع إسرائيل وإلى عزلة دولية خانقة. وإذا تخلى عنه، يفقد هويته ودوره المركزي المبني على استخدام السلاح داخليا لفرض الوقع السياسي الذي يخدم الحزب.
المصلحة اللبنانية فوق الولاءات
من منظور خليجي، فإن القضية واضحة: مصلحة لبنان يجب أن تكون فوق أي اعتبار، وفوق أي ولاء خارجي. لا يمكن للبنان أن يستمر كدولة إذا ظل بروكسي لإيران. ولا يمكن لشعبه أن يعيش في استقرار إذا ظل القرار الأمني والعسكري بيد جماعة تتجاوز سلطة المؤسسات.
السلاح في لبنان يجب أن يكون بيد الدولة وحدها. هذا ليس استهدافا لطائفة بعينها ولا محاولة لإقصاء مكون لبناني، بل هو إعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي. فكما أن الجيش هو جيش جميع اللبنانيين، فإن السلاح يجب أن يكون تحت راية الدولة وحدها.
لقد أثبتت التجارب العربية أن ترك السلاح في يد الميليشيات يقود إلى الفوضى والانهيار. النموذج العراقي والليبي واليمني خير دليل. لبنان ليس استثناء، وإذا لم يتدارك الوضع اليوم، فإنه سيجد نفسه غدا أمام انهيار كامل لمؤسساته.
لبنان يقف اليوم على مفترق طرق خطير. إما أن يختار طريق الدولة، والجيش، والسيادة الكاملة، وإما أن يبقى أسير ميليشيات تجعل مصلحته رهينة لمعادلات خارجية. وفي ميزان العقل والمصلحة، لا خيار أمام اللبنانيين سوى أن يجعلوا السلاح بيد الدولة وحدها.
إن الرهان اليوم ليس على بقاء حزب أو تراجع حزب، بل على بقاء لبنان نفسه. وإذا كان العالم ينظر إلى لبنان بقلق، فإن أشقاءه العرب، وفي مقدمتهم دول الخليج، ينظرون إليه بأمل أن يستعيد دوره الطبيعي دولة مستقلة، ذات سيادة، لا ساحة لصراعات الآخرين.
فليكن شعار المرحلة: لبنان دولة لا ساحة، والجيش لا الميليشيات هو الضامن لمستقبل آمن ومستقر للبنان بجميع طوائفه الدينية والسياسية.
mr_alshammeri@