بداية الطريق نحو التميز في التعليم: تطبيق مجتمعات التعلم المهنية
الخميس - 11 سبتمبر 2025
Thu - 11 Sep 2025
في أول أيام عملي كمعلم لمادة اللغة الإنجليزية في ثانوية معاذ بن جبل في منطقة جازان، كنت كعادتي متحمسا وشغوفا لأبدأ عملي بتميز. قابلت زملائي المعلمين وكلهم يرحب ثم وفي مكتب مدير المدرسة جلست مع زميلي الأستاذ الفاضل «مصطفى كوكر» معلم اللغة الإنجليزية في ثانوية معاذ بن جبل بمدينة جيزان آنذاك، سألته الأسئلة التالية: «كيف تدرس اللغة الإنجليزية؟ وما هي الصعوبات التي تمر بها؟ وكيف تتغلب عليها؟». فنظر إلي نظرة احترام وقال: أنت تسأل عن مشوار حياة. وسأخبرك بالإجابة بالتدريج مع مرور الوقت.
طبعا وقتها صمت قليلا ثم تذكرت «حلقات الجودة» التي كان ينادي بها KAORO ISHIKAWA عالم الإدارة والجودة الياباني. ثم بعهدها تداخل معي الأستاذ «كوكر» وقال نحن نعتمد في تدريس اللغة الإنجليزية على نظريات التعلم عموما ونظريات تعليم اللغة الإنجليزية بما يتناسب مع طلاب المرحلة واحتياجاتهم المهارية والمعرفية. واستمر الحديث مع «مستر كوكر» في شؤون التدريس. والشاهد الذي أريد أن أنوه له هنا أن «مستر كوكر» قصد أن نظريات التعلم مهمة ويجب الاستفادة منها بما يتواكب ويلائم احتياجات الطلبة. ونوه أيضا إلى أهمية تبادل الخبرات داخل المدرسة بين معلمي المواد المختلفة وفق كل تخصص.
ثم ومع مرور الزمن ومن خلال البرامج التدريبية التي حضرتها على رأس العمل «On the Job Training» داخل الوطن وخارجه، استفدت أكثر وأكثر في مجالات متعددة، منها مجال التطوير الذاتي والتطوير المؤسسي. تعلمت أن حلقات الجودة في مجال المؤسسات الصناعية والإدارية تقابلها «مجتمعات التعلم المهنية» في مجال المؤسسات التربوية. وأن مصطلح «المؤسسات المتعلمة» يقابله مصطلح «المدرسة المتعلمة»، وهكذا مع مرور الوقت تتعمق الخبرة وتزداد المعرفة وتنمو المهارات.
كل ما سبق كان مقدمة حبيت أتذكر فيها «مستمر كوكر» معلم اللغة الإنجليزية الذي تعلمت منه الكثير. وموضوعي في هذا المقال هو الحديث عن أهم أدوات التطوير المؤسسي في المؤسسات التربوية ومنها المدرسة على وجه الخصوص، حديثي هنا عام ويعتمد على النظرية العلمية بعيدا عن الحديث عن الحالات الخاصة التي ربما يعتقد البعض أنني أتحدث عنها. في هذا المقال فكر فقط في الأفكار والمقترحات فإن راقت لك فخذها مجانا.
وبداية الحديث هنا عن مفهوم «المدرسة المتعلمة» الذي يشير إلى التركيز على التعلم والتطوير والتحسين المستمر الذاتي والمؤسسي. يتضمن ذلك تطوير بيئة تعليمية تعلمية تشجع جميع أفراد المدرسة على طرح وتبادل المعرفة والخبرات والعمل بشكل تعاوني وتشاركي وتكاملي لتحقيق أهداف تعليمية مشتركة، بمن في ذلك الطلاب والمعلمون والإدارة.
المدرسة المتعلمة تسعى دائما إلى خلق ثقافة التعلم المستمر، حيث يكون الجميع مشاركين نشطين في عملية التعلم. ويتم فيها تشجيع التفكير النقدي والإبداع والابتكار. كما يركز هذا النوع من المدارس على استخدام البيانات الواقعية والبحث العلمي للتحسين المستمر للعمليات التعليمية وتكييف أدائها التعليمي لتلبية احتياجات المعلمين والطلاب المتنوعة. ومن السمات الأساسية للمدرسة المتعلمة التعلم التعاوني وبناء الشراكات بين المدرسة والأسرة لتعزيز التعاون بين الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور والمجتمع. ومن سماتها التفكير النقدي والتكيف والمرونة وتقبل الرأي الآخر واستخدام التكنولوجيا بفعالية لدعم عمليات التعلم والتعليم والتقييم المستمر لتحسين الأداء وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين. وبالتأكيد التقدير والاحترام اللذان تتميز بهما جميع المدارس المتعلمة وغيرها.
ويرى علماء التربية أن المدرسة المتعلمة هي عبارة عن إطار عمل ديناميكي يهدف إلى تحسين العملية التعليمية بشكل شامل من خلال توثيق المعرفة وتوفيرها وتسخيرها بما يحقق الأداء التعليمي الأفضل والجودة في نواتج التعلم.
وللمدرسة المتعلمة أدوات متعددة ومختلفة تدعم من خلالها تبادل الخبرات والمعرفة والتطوير المستمر لأداء القيادة المدرسية والمعلمين والمعلمات منها، وأهمها «مجتمعات التعلم المهنية» التي يمكن أن نعبر عنها بأنها مجموعات من المهنيين التربويين الذين يعملون بشكل تعاوني في مجال ما أو تخصص مشترك لتحسين ممارساتهم التعليمية وتعزيز تعلم الطلاب. يعتبر هذا المفهوم إطارا يعمل على تعزيز التعاون بين المعلمين والإداريين لتحقيق أهداف تعليمية مشتركة. وتتطابق سمات مجتمعات التعلم المهنية مع سمات المدرسة المتعلمة.
ويعتمد عمل مجتمعات التعلم المهنية في المدرسة على هيكلة وتنظيم معينين لتعزيز التعاون والتشارك بين المعلمين. حيث يتم أولا تشكيل فرق العمل وتحديد الأهداف التربوية والتعليمية المشتركة بشكل واضح وبمستهدفات رقمية محددة. وتبنى إجراءات العمل فيها على بيانات واقعية وتعاون ومشاركة منظمة من جميع الأعضاء بهدف مشاركة المعرفة والتقييم والتغذية الراجعة والتطوير المستمر للأداء.
من وجهة نظري وعلى الرغم من أننا قد تجاوزنا عصر المعرفة بفارق زمني، فإن الأساس والجوهر لأي عمل وأي تطوير لا يزالان يتمثلان في المعرفة وكيفية إدارتها وتسخيرها بشكل فعال. في هذا السياق وسياقات تكنولوجيا التعليم المتوفرة، وفي إطار إدارة المعرفة في المؤسسات التربوية، تعد مجتمعات التعلم المهنية أداة رئيسية وسهلة للتطوير والتحسين المستمر لأداء المعلمين، لكونهم يمثلون العنصر الأكثر أهمية في عملية التعليم والتدريس. تلك المجتمعات تعمل على تعزيز بيئة تعليمية تعاونية تدعم التحسين المستمر للممارسات التدريسية، مما يؤدي إلى تحقيق نتائج أفضل للطلاب.
في هذا الإطار وفي سياقات تطور التقنية ووجود أدوات الرقمنة كأدوات المايكروسوفت والماكنتوش والأندرويد، فإن تطبيق مجتمعات التعلم المهنية أصبح سهلا وبسيطا بل وأصبحنا لا نحتاج للقاءات الدورية المتزامنة، ولن نحتاج لتلك القاعات المكلفة ولا لتلك الميزانيات المالية التي تصرف على الاستقبال والضيافة ولا لتكلفة فواتير الكهرباء ولا.. ولا.. إلا ما ندر، أي أنك تستطيع استخدام تكنولوجيا الإدارة وتكنولوجيا التعليم لتطبيق الاجتماعات واللقاءات المتزامنة وحتى غير المتزامنة، والتدريب المتزامن وغير المتزامن والتدريس المتزامن وغير المتزامن. وعليه يصبح تطبيق مجتمعات التعلم المهنية وتبادل المعرفة والخبرة سهلا وبسيطا وغير ومكلف. الأمر الذي يجعل التطوير والتحسين في متناول أيدينا وبكلفة أقل وجودة أعلى. وعلى قدر ما ترغب أنت كقائد تربوي في تحسين ممارسات فريق عملك سيكون الجهد والتسخير. وباستمرار أقول إن الطريق إلى التميز يمر بمحطات فحص الجودة، ولا جودة دون تطوير ولا تطوير دون تبادل هادف للمعرفة والخبرات.
abubakrw@