القوة الناعمة بثوب أنثوي: المرأة السعودية في الواجهة
الأحد - 07 سبتمبر 2025
Sun - 07 Sep 2025
في قلب التحولات الكبرى التي تعيشها المملكة، لم تعد المرأة السعودية اليوم مجرد متفرجة بل أصبحت في صدارة المشهد، تحمل رسائل التغيير إلى الداخل والخارج، وتجسد في حضورها صورة جديدة عن بلد يتسارع نحو المستقبل بثقة. وإذا كانت القوة الناعمة لطالما ارتبطت بالفن والثقافة والدبلوماسية العامة، فإن السعوديات بات حضورهن جزءا أصيلا من هذا النفوذ الناعم الذي تعيد المملكة رسمه في زمن رؤية 2030.
لقد أعادت الإصلاحات والتحولات الأخيرة تشكيل دور المرأة السعودية بصورة غير مسبوقة. فمن قيادة السيارة والمشاركة الفاعلة في سوق العمل، إلى تقلد المناصب القيادية والتمثيل في المحافل الدولية، أصبح تمكين المرأة سياسة وطنية واضحة تعكس رؤية المملكة نحو مجتمع أكثر شمولا. هذا التمكين لم يعزز مكانة المرأة محليا فقط، بل ساهم في صياغة صورة جديدة للمملكة أمام العالم، تعكس انفتاحها وتنوعها وتضع النساء في قلب رواية التغيير.
وتتجسد هذه الرواية في قصص ونماذج ملهمة لنساء سعوديات استطعن أن يحفرن أسماءهن في مجالات مختلفة. فالأميرة ريما بنت بندر آل سعود، بصفتها سفيرة المملكة في واشنطن، لم تكن مجرد ممثلة دبلوماسية رسمية، بل رمز لصوت سعودي جديد يجمع بين الأصالة والانفتاح. وفي المجال الاقتصادي، شكلت سارة السحيمي نموذجا بارزا عندما أصبحت أول امرأة تترأس مجلس إدارة السوق المالية السعودية، لتثبت أن المرأة قادرة على قيادة أهم المؤسسات المالية في المنطقة. أما في الرياضة، فقد خطت كاريمان أبو الجدايل خطوة تاريخية بمشاركتها في أولمبياد ريو 2016 كأول عداءة سعودية، وهو حضور عالمي عزز صورة المملكة كداعم لمشاركة المرأة في الساحة الرياضية الدولية. وعلى الصعيد الثقافي والفني، برزت أسماء نسائية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي وفي صناعة الأفلام، قدمن صورة مغايرة عن المجتمع السعودي من خلال أعمال فنية تتحدث بلغة إنسانية تصل إلى مختلف الشعوب.
ورغم هذه النجاحات اللافتة، ما زالت المرأة السعودية تواجه بعض التحديات في مجال القوة الناعمة، إذ لم تختف الصورة النمطية القديمة عنها بشكل كامل في الخارج. وهذا يجعل مهمتها مضاعفة في تغيير تلك الانطباعات، كما أن الحاجة ما زالت قائمة لدعم أكبر في مجالات الإعلام الدولي والتواصل الثقافي، بما يفتح مساحات أوسع أمام أصوات نسائية سعودية قادرة على مخاطبة الرأي العام العالمي بلغة مؤثرة ومقنعة.
ومع ذلك، فإن المستقبل يبدو واعدا للمرأة السعودية في هذا المجال، مع تزايد حضورها في المنظمات الدولية والفعاليات الثقافية والرياضية الكبرى. فهي اليوم تملك فرصة أن تكون الراوي الأبرز لقصة التحول السعودي، كما أن الاستثمار في الكفاءات النسائية بمجالات الفنون وريادة الأعمال والإعلام الرقمي والابتكار سيعزز قدرة المملكة على تقديم خطاب متنوع وشامل يجد صداه عالميا.
القوة الناعمة السعودية بثوبها الأنثوي لا تقتصر على الدبلوماسيات أو القياديات فحسب، بل تمتد إلى وجوه نسائية في الإعلام والفن والأزياء وحتى في عالم الطهو، حيث تتحول السعوديات إلى سفيرات ثقافيات يقدمن صورة إنسانية قريبة من الناس، ويجسرن الفجوة بين المملكة والعالم. ولا يمكن إغفال دور المؤثرات السعوديات على منصات التواصل الاجتماعي، اللواتي باتت قصصهن وحكاياتهن اليومية نافذة مفتوحة للتعرف على المجتمع السعودي بعيون نسائية معاصرة.
إن المرأة السعودية اليوم ليست مجرد عنوان جانبي في رحلة التغيير، بل محور أساسي يعكس قوة ناعمة جديدة تتشكل بأصوات وصور متعددة. حضورها في الدبلوماسية والاقتصاد والثقافة والرياضة يجعلها في واجهة المشهد، ويمنح المملكة قوة ناعمة ذات طابع إنساني وشمولي، ووجها آخر لرؤية تفتح أبواب المستقبل وتعيد رسم صورة المملكة في الوعي العالمي.