السعودية واستعادة الأرض المسروقة
السبت - 06 سبتمبر 2025
Sat - 06 Sep 2025
مضت 700 يوم على الحرب في قطاع غزة. نحلت الأجساد، وقارعة الطريق باتت مأوى الآلاف بدلا من المنازل. الموت هناك أقرب من الحصول على رغيف الخبز. تنامت الأحقاد، والشتات وفكرة التشرد. والعالم يلتزم الصمت، والصمت مقبرة، والمقبرة هي الشيء المؤكد في قواميس البشر في بقعة مهدمة.
هذا شيء مؤكد ويراه الجميع مرأى العين، كما يشاهد العالم بالوقت ذاته، من بنى بيته، على قطعة أرض مسروقة، استولى عليها بقوة السلاح لا بالحق والحجة.
وفكرة سرقة الأرض هذه ليست بجديدة، أو وليدة الأمس واليوم. لا دون شك. إنها استمرار لعملية مضى عليها أكثر من 77 عاما، قام بها فئة واصلت السير قدما على نهج الأجداد، الذين اقتلعوا أشجار أرض لا تشبههم ولا يشبهونها، وزيفوا حقيقتها، وطمسوا إرثها الضارب في جذور التاريخ.
على تلك الأرض جرت محاولات مستميتة من الأحفاد، لمحاكاة صور الأوطان التي فروا منها، نتيجة الاضطهاد النازي الذي تمت ممارسته بحق الأسلاف، مدفوعين بأساطير غابرة، تحاول تكريس مفهوم وعد إلهي مزعوم، بمنحهم بلادا ليست بلادهم، اسمها فلسطين.
وللعلم، فالعقيدة اليهودية تؤمن بأن أرض فلسطين، أرض ميعاد، وهبتها لهم العناية الإلهية منذ عهد النبي إبراهيم عليه السلام. وهذه الفكرة بالمناسبة، تبلورت تاريخيا مع الحركة الصهيونية، واستندت على نصوص توراتية، بتأسيس كيان لليهود على هذه الأرض؛ إلى أن جاء «وعد بلفور» عام 1917، - وهو إعلان بريطاني، دعم تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين -، ورآه الكثير بأنه موعد لقيام دولة إسرائيل.
أعتقد أن فهم كل ما سبق من التفاصيل الدقيقة في المنهجية السياسية المنفذة اليوم في تل أبيب، يقود لاستيعاب عدة أمور، مثل ماذا؟
أولا: إن تحركات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تقوم على أفكار عنصرية وأسس دينية متطرفة، وليس دفاعا عن النفس يدعو بالضرورة لمواجهة حركة - أقصد حركة حماس - نتفق أو نختلف - لا أريد قول متطرفة إنما غير مسؤولة -. هذا كذب في وضح النهار.
ثانيا: إن اختزال جوهر الصراع - الفلسطيني الإسرائيلي -، بافتعال حروب تشتعل ولا تنطفئ نارها، نابع من غلو مصدره معتقدات يمينية تتجاوز كل الأعراف والحدود الدينية بالأقوال والأفعال؛ وليس على أسس سياسية كما تسوق له الدعاية الإسرائيلية الزائفة.
ثالثا: إغلاق كل الأبواب أمام أي حل لذلك الصراع، لتتحقق الفكرة الأساسية، وهي توسع الدولة اليهودية على كامل مساحة الأراضي الفلسطينية التاريخية، وصولا إلى الهيمنة على دول المنطقة.
وهيمنة تل أبيب على دول المنطقة، تترجم من خلال العودة إلى الوراء قليلا، واستذكار المشروع الذي قدمه نتنياهو للدول العربية، القائم على استقبال المهجرين من القطاع.
وهذا يقودني للقول إن ذلك المقترح الإسرائيلي مقلوب في أصله؛ لأنه وقف على رأسه بدلا من قدميه، كيف؟ ما إذا علمنا أن مسقط رأس والد نتنياهو في وارسو عام 1910، واضطرت عائلته للهجرة إلى فلسطين بعد ذلك التاريخ بعشر سنوات، ووزير ماليته بتسلئيل سموتريتش، المولود في مدينة سموتريتش الأوكرانية، حتى أفيغادور ليبرمان وزير الدفاع و الخارجية الإسرائيلي السابق، الذي رأى النور في مولدوفا الاشتراكية الروسية؛ السؤال: أليس من الأجدر أن يعود هؤلاء لدولهم الأصلية، عوضا عن التشدق بحق العيش على ما لا يملكون، على حساب الفلسطينيين المحكوم عليهم بالتشريد وسياسة التجويع؟
على كل حال، فكرتي هذا اليوم تقوم على قول الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في لقاء مع «العربية» الأسبوع الماضي، إن السعودية، لن ولم تقدم أي مصلحة خاصة بها، على تأسيس الدولة الفلسطينية.
وهذا الحديث ليس من باب مجاملة المملكة. لا بل تفسره تحركات الرياض خلال الأشهر الفائتة، التي تمخضت عن اعتراف أكثر من 149 دولة، بفلسطين ككيان مستقل.
أدرك أن السعودية حملت ملف فلسطين في المحافل الدولية كافة، للمطالبة بحق الفلسطينيين بالعيش الكريم على أرض وطنهم المسلوب، لذلك وظفت الطاقم الدبلوماسي والسياسي، وعلى رأسه الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية، الذي لم يرف له جفن، قبل استعادة الشعب الفلسطيني دولته كاملة السيادة، لتصبح ضمن المنظومة الدولية، لا بكونها بقعة ناقصة الأهلية التاريخية.
إن حالة الغضب الإسرائيلية تجاه السعودية، نظير مواقفها وتقويضها خطط التوسع، واضحة وضوح الشمس في كبد السماء، ويفهمها صانع القرار في الرياض، ولا يهتم لها، ولا ينظر لها ولا يحترمها من الأساس.
خلاصة القول، خُبّر الإسرائيليون بدل المرة ألف مرة، أن الفلسطينيين متمسكون في بلادهم. ولم ولن يرضوا عنها بديلا، حتى إن تم تدميرها، وتحويلها لمكان لا يصلح للعيش.
قالوا منذ عقود لهؤلاء بكفاحهم لا بألسنتهم. لسنا جماعات مشردة تبحث عن مأوى، لسنا هاربين، لسنا هنودا حمر، لسنا مجردين من الإنسانية، ولسنا محتلين، ولا مهاجرين مثلكم. ولم نخش يوما من البنادق والطائرات وأسلحتكم القذرة، وعملائكم الذين يمنحونكم إحداثياتنا. نحن هنا في أرضنا. تصفية قضيتنا لن تكون، ولن تتم.
نعول على الرجال في السعودية.
كما حشدوا العالم للاعتراف بنا.. سيستعيدون أرضنا المسروقة.