علي الحجي

قرارات من أبراج العليا ومعاناة في حواري العريجاء

الخميس - 04 سبتمبر 2025

Thu - 04 Sep 2025


الأزمة التي يعيشها قطاع الأعمال في السعودية اليوم لم تعد مسألة أرقام ورسوم فقط، بل قضية تمس استقرار شريحة واسعة من المجتمع. الرسوم المفروضة على العمالة تحولت من إجراء إداري إلى عبء خانق يلتف حول أعناق صغار التجار، حتى بات العامل - الذي يفترض أن يكون وسيلة للإنتاج - يكلف أكثر مما ينتج. رسوم التأشيرة ورخصة العمل والإقامة والتأمين الطبي تتجاوز الألف ريال شهريا، ثم يضاف إليها السكن والمعيشة والراتب، لتصبح النتيجة معادلة مختلة تجعل التاجر الصغير يرهق أكثر مما يستفيد.

في المهن الشاقة والمرهقة مثل الحلاقة والجزارة والطهي والبناء، لا يمكن توطين هذه الوظائف حاليا بسبب قسوتها وانخفاض مردودها، ومع ذلك فإن تكاليف استقدام العامل والإبقاء عليه تكاد تفوق ما يجنيه المشروع. وإذا افترضنا أن هناك من أبناء الوطن من يرغب في ممارستها، فلن يجد فيها مردودا ماديا عادلا مقابل الجهد المبذول. وحين يفرض التوطين قسرا، تنعكس الكلفة على سعر المنتج، فيتضاعف على المستهلك أو يغلق التاجر أبوابه.

المعضلة الأعمق تكمن في الفجوة بين واقع السوق ونظرة صانع القرار. كثير من القرارات تبنى من داخل المدن الكبرى، حيث الرياض بأحيائها الثرية وأسواقها المكتظة وقصص المطاعم التي تدر مئات الآلاف. فيظن أن هذه الصورة تمثل القاعدة، بينما هي في الحقيقة حالات استثنائية. الواقع مختلف تماما فلا بيشة كالرياض ولا العريجاء كالياسمين ولا شارع المدينة المنورة كشارع التحلية، حيث المطاعم بالكاد تبيع ساندويتش بريالين، وحيث الحلاق يفتح يومه الطويل ليخرج أحيانا بلا دخل يذكر. هؤلاء هم الأغلبية التي تُتجاهل في صناعة القرار.

ومع استمرار هذا النهج، تتضح الإفرازات: الأثرياء يزدادون ثراء لأنهم قادرون على امتصاص التكاليف أو تمريرها، بينما صغار التجار يتهاوون ويغلقون مشاريعهم، ليهبطوا طبقة بعد طبقة. الفجوة بين الطبقات تتسع، والسوق يتحول إلى ساحة غير متكافئة: من يملك يربح، ومن يكافح يخسر. والطبقة المتوسطة والفقيرة تدفع الفاتورة في النهاية، عبر ارتفاع الأسعار أو فقدان الخدمات التي كانت في متناولها.

هذه ليست مجرد أزمة رسوم على العمالة، بل أزمة عدالة اجتماعية واقتصادية. القرارات حين تبنى على استثناءات لا تمثل الواقع، تتحول إلى مقصلة تسقط آلاف المشاريع الصغيرة. والوطن لا ينهض بثراء قلة، بل بعدالة تصون قاعدة المجتمع. إن الإنصات إلى صوت الشارع ومراعاة ظروف المدن الصغيرة والطبقة المكافحة لم يعد خيارا، بل ضرورة لبقاء السوق متوازنا والمجتمع متماسكا.

aziz33@