أبناؤنا ورحلة البحث عن «الأكل الصحي»
الأربعاء - 03 سبتمبر 2025
Wed - 03 Sep 2025
لا شك أن أبناءنا الأطفال بمختلف أعمارهم هم أكثر الفئات تأثرا بعاداتنا الغذائية، وبذلك فإن مسؤولية الأهل تكمن في غرس قيم الغذاء السليم منذ الصغر، ليكبروا وهم قادرون على الاختيار الصحيح الذي يحافظ على صحتهم وسعادتهم، وقادرون على التمييز بين الأكل الصحي والضار، فالغذاء هو المصدر الأساسي للطاقة وبناء الجسم، وهو العنصر الأكثر تأثيرا في صحتنا الجسدية والعقلية، لذلك فإن التمييز بين الأكل الصحي وغير الصحي يعد خطوة أساسية نحو حياة أفضل، ومع تزايد انتشار الأطعمة السريعة والمشروبات الغازية، أصبح من الضروري نشر الوعي واستمرار البرامج التوعوية الصحية خصوصا بين الأطفال، لأن عاداتهم الغذائية في الصغر ترسم مستقبل صحتهم عند الكبر.
والواقع الذي لا يبشر بالخير أن شريحة كبيرة من الأطفال للأسف، ومع إغراءات الأطعمة السريعة أصبحوا لا يميزون بين الأكل الصحي وغير الصحي، وبذلك ارتفعت معدلات الإصابة ببعض الأمراض وسط الأطفال في سن مبكرة، وهنا تكمن أهمية دور الوالدين في توعية وغرس فوائد الأكل الصحي عند الأبناء، والتي تتمثل في تقوية جهاز المناعة والوقاية من الأمراض، والحفاظ على وزن صحي ونشاط بدني وذهني، وتعزيز النمو السليم عند الأطفال والمراهقين، وتحسين التركيز والقدرة على التعلم، وتقليل خطر الإصابة بالأمراض المزمنة، بينما تنحصر الأضرار الناتجة عن الأكل غير الصحي في السمنة وزيادة الوزن، وضعف المناعة وزيادة التعرض للأمراض، ومشاكل في التركيز والتحصيل الدراسي، وخطر مبكر للإصابة بالسكري النمط الثاني وارتفاع ضغط الدم، وحدوث اضطرابات هضمية مثل الإمساك أو عسر الهضم.
ومع تعدد الأطعمة وأشكالها ومنتجاتها قد يحدث الخلط لدى البعض في مفهوم الأكل الصحي وغير الصحي، وحتى تكون الصورة واضحة لدى الأبناء، أوضح لهم أن الأكل الصحي هو تناول وجبات متوازنة تحتوي على جميع العناصر الغذائية الضرورية، كالكربوهيدرات المعقدة مثل الأرز البني، البطاطا، الشوفان، البروتينات مثل اللحوم البيضاء، الأسماك، البقوليات، البيض، الدهون الصحية مثل زيت الزيتون، الأفوكادو، المكسرات، والفيتامينات والمعادن من الخضراوات والفواكه الطازجة، والألياف الغذائية التي تساعد في تحسين الهضم والشعور بالشبع، والماء للحفاظ على رطوبة الجسم وصحة الأعضاء.
بينما الأكل غير الصحي فهو الذي يحتوي على نسب عالية من الدهون المشبعة والمتحولة كالمقليات والزيوت المهدرجة، وأيضا السكريات المضافة كالحلويات، والمشروبات الغازية، والصوديوم كالأطعمة المعلبة والوجبات السريعة، والمواد الحافظة والملونات الصناعية.
ولعبت إغراءات الوجبات السريعة وإعلاناتها المرئية والمسموعة والمقروءة دورا كبيرا في جذب انتباه أفراد مجتمعات جميع الدول وخصوصا الأطفال بمختلف شرائحهم العمرية، فزاد استهلاكها وترتب على ذلك ارتفاع معدلات الأمراض ومنها زيادة الوزن والسمنة، إذ تحتوي على سعرات حرارية عالية ودهون مشبعة وسكريات، مما يؤدي إلى تراكم الدهون وزيادة الوزن، وأيضا ارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين، فالدهون المتحولة والكوليسترول الموجود في هذه الأطعمة يرفعان نسب انسداد الشرايين وارتفاع ضغط الدم، وبجانب ذلك ارتفاع احتمالية الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، فالإفراط في تناول السكريات والمشروبات الغازية المصاحبة للوجبات السريعة يضعف قدرة الجسم على تنظيم السكر، وأيضا ضعف الجهاز الهضمي، فقلة الألياف الغذائية تسبب الإمساك والانتفاخ ومشكلات القولون، وضعف التركيز والخمول، إذ تؤدي الوجبات السريعة إلى شعور بالكسل والخمول بعد تناولها بسبب الدهون الثقيلة وقلة القيمة الغذائية، كما أن بعض الدراسات تربط بين الإفراط في الدهون المشبعة واللحوم المصنعة وبين بعض أنواع السرطان مثل القولون والمعدة، بالإضافة إلى تأثير سلبي على الكبد، فتراكم الدهون في الكبد قد يؤدي مع الوقت إلى الكبد الدهني، ومشكلات نفسية وسلوكية، فالوجبات السريعة ترتبط بزيادة معدلات القلق والاكتئاب خصوصا لدى المراهقين، وحدوث تأثير سلبي على العظام والأسنان، فقلة الكالسيوم والفيتامينات مع زيادة المشروبات الغازية يضعفان العظام والأسنان.
ويظل السؤال هنا: كيف يمكن توعية الأبناء بالأكل الصحي؟
والجواب: التوعية الغذائية للأطفال ليست مجرد معلومات، بل هي أسلوب تربوي وسلوكي يغرس منذ الصغر، وأهم الطرق العلمية والفعالة في هذا الجانب تتمثل في القدوة السلوكية، فإذا رأى الطفل والديه وجميع أفراد الأسرة يأكلون الأطعمة الصحية والخضراوات والفواكه ويشربون الماء، فسوف يقلدهم تلقائيا، ربط الطعام بالصحة والنشاط، بمعنى التوضيح للأبناء أن الأكل الصحي يجعلهم أكثر قوة للعب والرياضة والتركيز في الدراسة، تشجيع الأبناء على الأكل الصحي بأساليب محببة بعيدا عن لغة الإجبار، ومدحهم عند اختيارهم الطعام الصحي، وأيضا تنظيم العادات اليومية ومنها الالتزام بوجبة الإفطار كروتين أساسي، وضع جدول بسيط يوضح أوقات الوجبات والوجبات الخفيفة.
الخلاصة: الأكل الصحي ليس خيارا ثانويا، بل هو الاستثمار الحقيقي في مستقبل أبنائنا وصحتهم الجسدية والنفسية، فحين نغرس في أطفالنا حب الغذاء الصحي، فإننا لا نمنحهم مجرد صحة مؤقتة، بل نرسم لهم طريقا طويلا من القوة والسعادة، فالغذاء السليم ليس رفاهية، بل هو لغة حب نكتبها على أجسادهم، ووصية حياة نهديها لأيامهم القادمة.