شاهر النهاري

كم يرضيك لتظهر في إعلان

الاثنين - 01 سبتمبر 2025

Mon - 01 Sep 2025


لا شك أن الإعلانات أصبحت شائعة لدرجات الملل، يتأثر بها ويمارسها الكبار والصغار، أصحاب المواهب ومنعدموها، المحترفون ومن يجدونها مجرد تجربة يتيمة مجنونة، أو فرصة للظهور، في عشوائية مدعومة ومرعية من المؤسسات أو الشركات.

وبين الإعلان والغرض الترويجي، أفراد وجماعات تسترزق على أصداء مقاطع تزدحم على الشاشات، وتطارد المتصفح على مواقع التواصل وعبر كل وسيلة اتصال متاحة.

الإعلان سوق تجاري عظيم، ولم يعد غريبا أن ترى أحد أقاربك أو معارفك، أو حتى شخصية عامة، يؤدي مشهدا مضحكا أو جادا للترويج لبضاعة أو موقع أو خدمة، فتندهش وتتساءل.

سؤال طرح في جلسة سمر اجتماعية: ماذا لو عرض عليك أن تمثل في إعلان؟ فكم سيكون ثمن ظهورك؟

الإجابات جاءت متباينة، ومثيرة للتأمل في واقعنا الحالي؛ وهي تعكس رؤى مختلفة لزوايا مجتمعية نعيشها، وتباينات تكشف مدى تراجع تقدير الذات لدى البعض، حريته، خصوصيته، اكتراثه، وتبدد مشاعر الحياء، والانجراف وراء التفاهة.

أحدهم، باتزان ظاهر، تساءل عن محتوى الإعلان أصلا، وهل يستحق ظهور شخصه فيه، وقيمة دخول دائرة التهريج والفرجة، وتحمل النقد والمجاهرة؟
صوت شاب من الزاوية ارتفع «أي مبلغ بسيط يكفي مصروف اليوم، أنا جاهز!»

ويموج الضحك ليهمس آخر «أنا لو طلب مني لدفعت من جيبي، فيكفي أن يميزني الناس في الشارع، وأصبح مشهورا».

أما ذاك الذي فكر مليا وربط قراره بقدر حاجته المادية، فوافق بمقدار ضيق عيشه، ووضع رقما يكفيه للعبور من أزمته المادية الخانقة.

المتحفظ المتردد، اشترط مبلغا جزلا، وآخر زاد شرطا بألا يظهر اسمه أو شكله الحقيقي، فيتم التمويه بماكياج أو قناع وظلال، أو بالذكاء الاصطناعي، تشويه بصري يمنحه درعا من النقد في مجتمعه وعمله.

وفي الزاوية المنزلقة البعيدة، صدح الصوت واثق الخطوة، بأنه مستعد للإعلان، حتى ولو شمل أطفاله وزوجته، فهي فرصة ربما تساهم في اكتشاف مواهبهم المدفونة، وإعلان ربما يكون بوابة أولى لظهور إعلامي قادم، لبرنامج اكتشاف مواهب.

رجل وقور حدد موقفه: لن يقبل إلا إن زاد الإعلان من حصيلته الثقافية، وعرف الناس بأفكاره وما يصنع، في فرصة للترويج لذاته، وصفاته، وممتلكاته، لا للمنتج فقط.

وتعالت الضحكات، وازداد التهريج، حتى امتلأت الهواتف المحمولة بمقاطع إعلانات وتفاعلات شبيهة مضحكة، ساخرة، واستهانة بقيمة الذات لدرجات التفريط، وإثبات القدرة على التهريج.

كارثة، فعندما تدخل وسائل التواصل إلى شرايين قلب المجتمع، يتسرب الاستهتار على لون الوجوه، وتتحور الأنفس والعلاقات بحسب قيمة الإعلان، عبودية للاستغلال التجاري، ناهيك عما يذل، ويعري الخصوصية، ويحيله إنسانا لا اكتراثي، وأفراد أسرته نكتا مبتذلة تتدحرج بين الأيدي.

واقع معاش، فعندما يصبح الفنان والمعلن والمؤدي أكثرية، تتآكل قيمة الفن، وتداس القيم الاجتماعية، ويسحق احترام الذات، وتبتذل الأخلاق.

حين يرضى البعض بالظهور في إعلان تافه من أجل تصفيق عابر أو شهرة واهية، يصبح الثمن الحقيقي تشويه صورة جوهر الإنسان، حينما لا يصونها أهلها، ويفرحون بترويج سخافتها، وتقليد المراهقين لها، والتقاط صور السيلفي للتندر، وبين الرغبة في الظهور، والحفاظ على الكرامة، يبقى الإعلان مرآة تجارية حرجة تعكس ما تختاره مجتمعات البريق أن تكون.

shaheralnahari@