محمد عدنان باخشوين

إعادة توجيه الدعم الغذائي نحو نمط صحي مستدام

الاثنين - 01 سبتمبر 2025

Mon - 01 Sep 2025


تشهد المملكة في السنوات الأخيرة تزايدا مقلقا في معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم والسمنة. وعند التأمل في الأسباب، يتضح أن النمط الغذائي والسلوك الاستهلاكي يلعبان دورا محوريا في هذه الظواهر الصحية. ويبرز في هذا السياق تأثير القدرة الشرائية لدى متوسطي الدخل وأصحاب الدخل المحدود، الذين يجد كثير منهم أنفسهم أمام خيارات غذائية تفرض عليهم بحكم الأسعار، فيضطرون إلى اقتناء الأغذية الأرخص ثمنا، حتى وإن كانت أقل فائدة أو أكثر ضررا على المدى الطويل.

إن المفارقة التي تستحق التوقف عندها، أن الأطعمة الصحية مثل الخضار والفواكه والحبوب الكاملة لا تزال مرتفعة الثمن نسبيا، بينما تتوفر الأطعمة الغنية بالسكريات والنشويات المكررة، والتي تعد من أبرز مسببات الأمراض المزمنة، بأسعار زهيدة وفي متناول الجميع. هذا التفاوت في أسعار الغذاء يسهم في توجيه العادات الغذائية نحو خيارات غير صحية.

وفي ظل هذه التحديات، جاءت الضريبة الانتقائية التي فرضتها الدولة على بعض المنتجات الضارة بالصحة مثل التبغ والمشروبات الغازية ومشروبات الطاقة، كأداة تنظيمية تهدف إلى تقنين الاستهلاك وتحسين الصحة العامة.

وانطلاقا من الهدف ذاته، يمكن اقتراح دراسة إمكانية توجيه جزء من عوائد هذه الضريبة لدعم الأغذية الصحية، وجعلها أكثر توافرا للفئات ذات القدرة الشرائية المحدودة.

وفي المقابل، قد يكون من المفيد أيضا إعادة تقييم الدعم الحكومي لبعض السلع الغذائية المدعومة حاليا، مثل السكر والدقيق والأرز. فرغم أهميتها الاقتصادية، إلا أن الدراسات الصحية تربط هذه المنتجات مباشرة بأمراض العصر المنتشرة. إن تخفيف الدعم تدريجيا عن هذه السلع، وتوجيهه نحو البدائل الصحية، قد يسهم في تعزيز خيارات غذائية أفضل ويقود إلى نتائج إيجابية على مستوى الصحة العامة.

هذا التوجه المقترح لا يلغي دور الدعم، بل يعيد توجيهه ليصبح أداة وقائية ذكية تدفع المستهلك نحو خيارات صحية دون أن تشكل عبئا اقتصاديا عليه، وبما ينسجم مع أهداف الرؤية الوطنية في بناء مجتمع صحي ومستدام.

ختاما، فإن الاستثمار الحقيقي هو في الإنسان، وإن تعزيز الصحة يبدأ من المائدة. ومن هنا، فإن إعادة رسم خريطة الدعم الغذائي لتصب في مصلحة المستهلك والمجتمع على حد سواء، تمثل خطوة استراتيجية نحو مستقبل أكثر صحة واستقرارا.

M0hammed_O1@