الاستقالة والفصل: قراءة نظامية في حماية الحقوق
الاثنين - 01 سبتمبر 2025
Mon - 01 Sep 2025
لا يكاد يخلو مجلس من حديث موظف عن استقالته أو عن فصل زميل له، وكثيرا ما تختلط المفاهيم بين ما يعد نظاميا وما يدخل في دائرة التعسف. نظام العمل السعودي حاول أن يضع ميزانا دقيقا بين مصلحة العامل وحماية صاحب العمل، فجاءت نصوصه لتفصل بين الاستقالة المشروعة والفصل المبرر، وتحدد التعويض حين يختل هذا الميزان.
فالمادة (80) من نظام العمل أوضحت بجلاء متى يحق لصاحب العمل فصل الموظف دون مكافأة أو تعويض، مثل: الاعتداء على صاحب العمل، أو التغيب المتكرر دون عذر مشروع، أو الإخلال الجسيم بالالتزامات الجوهرية. في المقابل، جاءت المادة (81) لتعطي العامل الحق في ترك العمل دون إشعار إذا أخل صاحب العمل بالتزاماته، كأن يتأخر في صرف الأجور أو يتعرض العامل لسوء معاملة. وبين هذين الحدين تقف المادة (77) التي تقرر أن أي إنهاء للعقد دون سبب مشروع يرتب تعويضا يعادل أجر العامل عن المدة المتبقية في العقد أو أجر 15 يوما عن كل سنة خدمة، أيهما أكبر.
لكن النصوص وحدها لا تكفي لفهم الصورة، لذلك تظهر الأمثلة من الواقع العملي كيف تطبق هذه المواد. أحد الموظفين - على سبيل المثال - قدم استقالته برسالة على تطبيق واتساب، ولم يتبع الإجراءات المكتوبة في لائحة الشركة.
الإدارة تمسكت بالرسالة واعتبرتها استقالة نافذة، بينما الموظف تراجع بحجة أنها لم تكن رسمية. عند عرض النزاع، رأت الجهة القضائية أن الرسائل الالكترونية يمكن أن تشكل قرينة معتبرة متى تضمنت وضوحا في التعبير عن الإرادة.
وفي حالة أخرى، فصلت شركة موظفا بسبب غيابه أسبوعين دون عذر، مستندة إلى المادة (80). لكن الموظف أثبت أنه تقدم بتقارير طبية معتمدة، فاعتبرت المحكمة الفصل تعسفيا، وألزمت الشركة بتعويضه استنادا إلى المادة (77).
أما في النزاعات العمالية المرتبطة بالأجور، فقد ترك عامل عمله بعد ثلاثة أشهر من عدم استلام راتبه، فادعى صاحب العمل أنه ترك العمل دون إشعار. غير أن المادة (81) صرحت بحق العامل في ترك العمل إذا أخل صاحب العمل بالتزاماته الأساسية، فحُفظ للعامل حقه وصُرف له تعويض عن الفترة السابقة.
وفي مثال آخر أكثر إثارة، فصلت إحدى الشركات موظفة بحجة أن أداءها ضعيف، ولم تقدم لها أي إنذارات كتابية أو خطط تحسين أداء. المحكمة العمالية رأت أن الفصل بلا مسوغ مشروع، وأن ضعف الأداء لا يثبت إلا بإجراءات تقويمية مسبقة، فألزمت الشركة بتعويضها، تطبيقا لنص المادة (77).
وهذه الأمثلة تظهر أن النصوص النظامية ليست جافة، بل تتحول في قاعات المحاكم إلى أدوات لتحقيق العدالة، حيث ينظر لكل حالة بخصوصيتها. والأهم من ذلك أن التوثيق يلعب الدور الأكبر في حسم النزاعات: فالعامل الذي يوثق استقالته رسميا يضمن حقه، والشركة التي تسجل غياب موظفها وتوثق الإنذارات تحمي نفسها من تهمة التعسف.
إن الاستقالة ليست كلمة عابرة في رسالة هاتفية، والفصل ليس قرارا لحظيا يتخذه المدير عند الغضب. كلاهما محاط بضوابط وضمانات، صممت لتمنع الظلم وتحفظ التوازن في بيئة العمل. وفي النهاية، يبقى وعي الأفراد بالنصوص وتطبيقها هو الضمان الحقيقي لبيئة مهنية مستقرة، تحمي العامل من الغبن وصاحب العمل من الاستغلال.
expert_55@