نوال حسن المطيري

الفروق الجنسية والمعرفية في مرحلة الطفولة المبكرة

الاثنين - 01 سبتمبر 2025

Mon - 01 Sep 2025


تعد مرحلة الطفولة المبكرة من أكثر المراحل حساسية في حياة الإنسان، فهي الفترة التي تتشكل فيها الأسس المعرفية والاجتماعية للأطفال، وتبنى خلالها مهارات التعلم الأولى التي سترافقهم طوال حياتهم. ومن هذا المنطلق، يكتسب فهم الفروق بين الجنسين في القدرات المعرفية والاجتماعية أهمية كبيرة، إذ يساعد على تصميم برامج تعليمية تراعي احتياجات كل طفل بشكل دقيق.

تتناول الدراسات الحديثة هذه الفروق، وتوضح أن استجابة الأطفال للتدخلات التعليمية المبكرة ليست متساوية بين الذكور والإناث، ما يجعل النظر في هذه الاختلافات خطوة أساسية لضمان تنمية متوازنة وفعالة.

في المملكة العربية السعودية، أظهرت الدراسات أن الفتيات يتفوقن على الفتيان في الأداء الأكاديمي منذ المراحل الدراسية المبكرة، بما في ذلك الرياضيات والعلوم. وأظهرت دراسة شملت نحو 3,759 طالبا أن التفوق الملحوظ للفتيات يعود جزئيا إلى عوامل اجتماعية وثقافية، حيث تشجع الفتيات على الانضباط والانتباه للتعليم منذ سن مبكرة، بينما يمنح الذكور مساحة أكبر للتصرف بحرية، مما ينعكس على مستوى التركيز والتحصيل الدراسي لديهم (Alhumaid, 2019). هذه النتائج توضح أن الفروق الجنسية والمعرفية ليست العامل الوحيد المؤثر في الأداء التعليمي للأطفال، وأن البيئة الاجتماعية والثقافية تلعب دورا رئيسيا في تشكيل النتائج التعليمية، مما يجعل بعض السياقات التعليمية أقل اعتمادا على تعديل البرامج وفقا للجنس في مرحلة الطفولة المبكرة.

على الجانب الآخر، أظهرت دراسة حديثة من جامعة فرجينيا تك، أن التدخلات التعليمية المبكرة تؤثر بشكل مختلف على الذكور والإناث في مجالات محددة مثل القراءة والرياضيات. ووجدت الدراسة أن الإناث حققن تحسنا أكبر في مهارات القراءة، بينما أظهر الذكور تحسنا ملحوظا في مهارات الرياضيات (Ramey et al, 2024). هذه النتائج تبرز أن مراعاة الفروق بين الجنسين يمكن أن تكون مهمة، وأن تصميم برامج تعليمية تراعي هذه الاختلافات يسهم في تعزيز الأداء الأكاديمي وتقليل الفجوات بين الأطفال على المدى الطويل.

ونظرا لحساسية مرحلة الطفولة المبكرة، يصبح من الضروري أن يشرف على تعليم الأطفال معلمون متخصصون يمتلكون خبرة ومعرفة عميقة في علوم التربية وعلم النفس التربوي، ويكونون حاملين لشهادات عليا ودراسات متقدمة في التخصصات ذات الصلة. المعلم المتخصص يستطيع التعرف على الفروق الفردية والجنسية بين الأطفال، وتطبيق استراتيجيات تعليمية متكاملة تدعم تنمية قدراتهم بشكل متوازن. فوجود معلمين مؤهلين لهذه المرحلة يضمن تقديم تعليم فعال يواكب احتياجات كل طفل ويقلل من الفجوات التعليمية بين الجنسين، كما يسمح بتقييم أثر البرامج التعليمية وتطويرها بشكل مستمر بما يتناسب مع قدرات الأطفال المختلفة.

إن دمج نتائج الدراسات الأمريكية مثل دراسة جامعة فرجينيا تك مع الواقع التعليمي في السعودية يوضح أهمية النظر إلى الفروق الجنسية والمعرفية ضمن سياق ثقافي محدد، مع التأكيد على أن الاستثمار في معلمين متخصصين وذوي خبرة علمية يعد خطوة حاسمة لضمان استثمار إمكانات الأطفال في مرحلة حساسة من حياتهم. إن مراعاة هذه الفروق وتوفير معلمين مؤهلين يؤدي إلى خلق بيئة تعليمية متوازنة، تساعد الأطفال على تطوير مهاراتهم المعرفية والاجتماعية بشكل متكامل منذ الصغر.

في ضوء ما سبق، يمكن القول إن تصميم برامج تعليمية تراعي الفروق بين الجنسين وتوظف معلمين متخصصين ليس مجرد خيار، بل ضرورة لضمان تحقيق نتائج تعليمية فعالة ومتوازنة. كما يوصى بالاستمرار في إجراء الدراسات الميدانية لمقارنة تأثير هذه البرامج في سياقات ثقافية مختلفة، لضمان تطوير استراتيجيات تعليمية قائمة على الأدلة العلمية وتتماشى مع احتياجات الأطفال. إن الالتزام بهذه المعايير يسهم في تحسين جودة التعليم منذ مرحلة الطفولة المبكرة، ويضمن لكل طفل فرصا عادلة لتنمية قدراته المعرفية والاجتماعية على حد سواء.