ليلى علي مجرشي

خرائط النفوذ في زمن الذكاء الاصطناعي

الاثنين - 01 سبتمبر 2025

Mon - 01 Sep 2025


في كل نقرة على هاتف ذكي، وفي كل اقتراح لمحتوى على منصة رقمية، ترسم خريطة جديدة للنفوذ الثقافي والسياسي. هذه الخوارزميات، التي قد تبدو للبعض مجرد أدوات تقنية، تتحول اليوم إلى دبلوماسية صامتة، تشكل صورة الدول والثقافات في أذهان الملايين حول العالم. لم يعد العالم ينتظر الأفلام أو الكتب فقط ليعرف عن الآخر، بل صار يتلقى قصصه عبر الذكاء الاصطناعي والمحتوى الرقمي الذي يختاره بدقة.

الذكاء الاصطناعي أصبح أداة رئيسية للقوة الناعمة، إذ يمكن من خلاله توجيه الرسائل الثقافية والسياسية بفعالية غير مسبوقة. الدول التي تستثمر في منصات ذكية وأدوات تحليل بيانات ضخمة لا تقدم خدمات تقنية فحسب، بل تزرع قيمها وأفكارها في وعي المستخدمين. الأمثلة واضحة: التطبيقات العالمية مثل «تشات جي بي تي» أو منصات الفيديو القصيرة، تحمل في طياتها الثقافة والسياسة والقيم التي تنتجها الدول والشركات الكبرى.

الخوارزميات اليوم أصبحت محررا غير مرئي للمحتوى، فحين تعرض المنصات فيديو عن العلا أو موسم الرياض لمستخدم في أوروبا، فهي لا تقدم مجرد محتوى سياحي، بل تساهم في بناء صورة إيجابية للمملكة.

ولم يعد المؤثر البشري وحده في الساحة، بل ظهر المؤثر الافتراضي الذي تديره خوارزميات الذكاء الاصطناعي بالكامل، قادر على التواصل بلغات متعددة مع جماهير مختلفة، ونقل رسائل مصممة بعناية. هذه الظاهرة تفتح آفاقا جديدة للدبلوماسية الرقمية، إذ يمكن تقديم محتوى موحد وموثوق بلا مخاطر الأخطاء البشرية أو الجدل المفاجئ.

ورغم هذه الإمكانيات، تحمل القوة الناعمة الرقمية تحديات جسيمة. فالمصداقية على المحك، وسهولة انتشار المعلومات المضللة تهدد تأثير الرسائل، كما يشكل احتكار الشركات التقنية الكبرى لخوارزميات الذكاء الاصطناعي تحديا للسيادة الرقمية للدول. إدارة هذه القوة تتطلب استراتيجيات دقيقة توازن بين الحرية والمسؤولية.

المملكة العربية السعودية مثال حي على توظيف هذه الأدوات بذكاء، حيث يساهم الذكاء الاصطناعي في إيصال المحتوى الثقافي والسياحي إلى جمهور عالمي واسع، فيما تظهر المملكة طموحها بأن تكون لاعبا رئيسيا في صناعة التقنية الحديثة عبر مبادرات مثل القمة العالمية للذكاء الاصطناعي التي أقيمت في سبتمبر الماضي.

إن القوة الناعمة في عصر الذكاء الاصطناعي لم تعد مجرد أداة ثقافية، بل رهان استراتيجي على النفوذ الدولي وصياغة صورة الدولة في العالم. ومن يدرك هذه المعادلة ويستثمرها بحكمة، سيكون قادرا على رسم خرائط النفوذ، ليس عبر الجغرافيا وحدها، بل من خلال البيانات، والخوارزميات، والأفكار التي تصل مباشرة إلى العقول والقلوب.

layla636@