أحمد محمد القزعل

صرخة في الخفاء... رحلة النجاة من القهر النفسي

الاثنين - 01 سبتمبر 2025

Mon - 01 Sep 2025


القهر النفسي هو شكل من أشكال الظلم المعنوي الذي يتعرض له الإنسان، ويمارس بطرق خفية وغير مباشرة، ويتمثل في ممارسة الضغط والتهديد والتجاهل أو الإهانة.

بشكل مستمر، مما يؤثر سلبا على كرامة الفرد واحترامه لذاته، وعلى عكس الأذى الجسدي فإن القهر النفسي يترك ندوبا عميقة في النفس لا ترى بالعين المجردة، وقد تشمل آثاره فقدان الثقة بالنفس والشعور بالدونية والعزلة، وقد يصل إلى الإصابة باضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب.

القهر النفسي ذلك الظل الأسود الذي يتسلل إلى أعماق النفس البشرية في صمت، وهو أشد أنواع الظلم فتكا، إنه ليس جرحا يراه الآخرون ولا صوتا يسمعه العالم، بل هو وجع خفي يتغلغل في الروح، إنه ذلك العنف الذي يمارس دون ضربة والتهديد الذي لا يسمع، والتحقير الذي ينخر في عزة النفس وكرامتها.

هذا وتتجلى أشكال القهر النفسي في أبسط تفاصيل الحياة اليومية، فكل كلمة جارحة هي طعنة، وكل نظرة استخفاف هي سهم مسموم، ذلك أن القهر النفسي هو التجاهل المتعمد الذي يهمش وجود الإنسان، والتشكيك المستمر الذي يزلزل ثقة الإنسان بقدراته، ويتخذ القهر النفسي أشكالا متعددة، تبدأ من حرمان الإنسان من أبسط حقوقه كالحق في التعبير عن رأيه أو الحصول على الاحترام، أو حتى العطف والمحبة.

عندما يجبر الإنسان على الصمت أو ينكر حقه في الوجود، فإنه يعيش حالة من الغربة الداخلية المؤلمة، حيث تتراكم هذه الأحاسيس السلبية لتخلق سجنا من العزلة واليأس، فنرى هذا القهر في قصة الطالب الذي تهمل أفكاره باستمرار، أو الزوجة التي تقلل من قيمتها عاطفيا، أو الموظف الذي يستبعد من التقدير والترقيات رغم إنجازاته، إنه إحساس بالظلم يتجاوز الأذى المادي، ويجعل الإنسان يشك في قيمته الحقيقية، حيث إن الظالم في هذه الحالات يتجرد من إنسانيته، ويصبح أداة للهدم تاركا خلفه أرواحا مهشمة وقلوبا محطمة.

إن مواجهة القهر النفسي رحلة شاقة، لكنها ليست مستحيلة تبدأ هذه الرحلة بالتمسك بالإيمان بأن الله عادل وأن الظلم لا يدوم، ثم يأتي دور بناء الثقة بالنفس، فالثقة درعك الواقي من سهام القهر، ويمكن تحقيق ذلك من خلال التطور الذاتي المستمر والسعي للتعلم والتحدث مع أشخاص تثق بهم وتجد لديهم الدعم والاحتواء، لا تتردد في تدوين مشاعرك وأفكارك، فالكتابة هي وسيلة للتنفيس عن الألم وتحويله إلى قوة، والأهم من ذلك كله: اطلب المساعدة من المختصين النفسيين عند الحاجة، فلا حرج في طلب العون، فصحتك النفسية لا تقل أهمية عن صحتك الجسدية.

إن نشر الوعي بأهمية احترام الآخرين وتقدير مشاعرهم هو السبيل لخلق مجتمع صحي، دعونا نؤمن بأن كرامة النفس هي خط أحمر، وأن تجاوز القهر النفسي ممكن من خلال الإيمان العميق والوعي والدعم المتبادل، لنتحول من أدوات هدم إلى سند وعون لبعضنا بعضا، ولنكن صوتا للعدل والرحمة في وجه كل أشكال القهر.