ياسر عمر سندي

نظرية الطابعة المعطلة

الخميس - 28 أغسطس 2025

Thu - 28 Aug 2025


كيف نتعايش مع الخلل حتى يصبح عادة؟ تخيل أن الطابعة في قصتنا ليست مجرد آلة، بل هي جزء من حياتك.

في عالم الأعمال وحتى في حياتنا اليومية، نصادف مواقف غريبة نعتاد عليها رغم أنها غير مثالية. واحدة من هذه الظواهر تمثلها «نظرية الطابعة المعطلة» Broken Printer Theory، وهي مصطلح مجازي يصف سلوكا بشريا اجتماعيا وتنظيميا يعكس القبول بالخلل طالما أنه لا يوقف العمل تماما.

تخيل أن لديك طابعة في المكتب تتعطل أحيانا، لكنها ما زالت تطبع بعض الأوراق. بدلا من إصلاحها فورا، يبدأ الموظفون في التكيف مع المشكلة يرسلون ملفاتهم بالبريد الالكتروني، أو يستخدمون طابعة أخرى، أو يقللون الطباعة قدر الإمكان.

يقال إن النظرية انتشرت في إحدى الشركات أوائل الألفية الجديدة، حين كتب أحد الموظفين في منتدى الشركة قصة عن مكتبهم الذي كان يملك طابعة كبيرة تتعطل باستمرار، وبدلا من أن يطلبوا إصلاحها، بدأ الجميع يطبع أوراقه على الطابعة الصغيرة الموجودة بزاوية بعيدة من المكتب. وبمرور الوقت، لم يعد أحد يشتكي، وأصبح الأمر طبيعيا، حتى للموظفين الجدد الذين لم يعرفوا أصل المشكلة.

القصة انتشرت كنوع من المزاح، لكنها لاقت صدى واسعا لأنها تعكس ميل البشر للتأقلم مع الوضع القائم بدل تغييره، خاصة إذا كان التغيير يتطلب جهدا إضافيا.

وهكذا، يظل الخلل قائما لأسابيع أو لأشهر، لأن تكلفة التعايش معه تبدو أقل من تكلفة إصلاحه، وهذه الظاهرة ليست حكرا على الطابعات، بل تنطبق على كثير من العمليات والأنظمة وحتى العلاقات الإنسانية.

في بيئة العمل الإجراءات والأنظمة المعيبة قد تبقى كما هي إذا كانت لا تعطل العمل بشكل كامل كذلك المشاكل الصغيرة تتحول إلى جزء من الروتين المقبول إذا لم تسبب أزمة حقيقية. وهذا يمثل حالة من الجمود المستمر.

ويمكن تشبيه بعض الأشخاص بالطابعة المعطلة، أحيانا يقدمون أداء رائعا، وأحيانا يتوقفون تماما، فالتعامل معهم يتطلب دائما خططا بديلة، وهذه النظرية تعتبر تذكيرا مهما بأن التعايش مع المشاكل قد يبدو مريحا على المدى القصير، لكنه قد يرسخ الخلل ويؤخر الحلول. والإصلاح المبكر سواء كان في جهاز أو نظام أو علاقة يوفر وقتا وموارد ويمنع تراكم المشكلات.

ربما هي عادة سيئة لم تتخلص منها، أو علاقة غير متوازنة، أو مشروع مؤجل منذ زمن. في البداية، تقول لنفسك «لا بأس، يمكنني التعايش»، لكن بمرور الوقت، تجد أن هذه الطابعة المعطلة تستهلك منك أكثر مما تمنحك. فالحياة لا تكافئ من يتأقلم مع الخلل، بقدر ما تكافئ من يملك الشجاعة لإصلاحه أو استبداله.

فبدلا من البحث عن طابعة بديلة في الزاوية، جرب أن تفتح الغطاء، تنظف الأجزاء، وتعيدها للعمل بكامل طاقتها. وتذكر دائما الخلل الذي تتجاهله اليوم، قد يصبح القاعدة التي تبني عليها غدك، والقرار بين يديك، إما أن تعيش مع الطابعة المعطلة أو أن تبدأ بالإصلاح الآن.

Yos123Omar@