عبدالمعين عيد الأغا

سلوكيات خفية تزيد أوزان «الأطفال»

الثلاثاء - 26 أغسطس 2025

Tue - 26 Aug 2025



في ظل تسارع نمط الحياة وانتشار وهيمنة التكنولوجيا، أصبحت «السمنة» لدى الأطفال واحدة من أكثر المشكلات الصحية انتشارا في جميع المجتمعات، إذ تشير الدراسات إلى أن العادات اليومية البسيطة التي قد تبدو عابرة في نظر الكثير من الأسر، تلعب دورا أساسيا في زيادة الوزن وتراكم الدهون لدى الأطفال، فوصول الأبناء إلى مرحلة السمنة لا يحدث من باب الصدفة بل نتيجة تراكم لعادات يومية كان بالإمكان تغييرها بخطوات صغيرة وواعية، فكلما بدأت الأسرة مبكرا في تعديل تلك السلوكيات كان من السهل حمايتهم من مضاعفات قد تستمر معهم مع مراحل نموهم.

وأستهل هذه العادات بالنمط الغذائي الذي يتبعه الكثير من الأطفال والمعتمد على «الوجبات السريعة» التي تحتوي على مزيج من الدهون المشبعة، والسكريات، والأملاح، إضافة إلى السعرات الحرارية العالية، وهذه الأطعمة لا تشبع لفترة طويلة، ما يجعل الأطفال يتناولون المزيد خلال ساعات قصيرة، وقد ارتبط الإفراط في تناولها بمشكلات صحية مثل السمنة المبكرة، وارتفاع ضغط الدم، ومقاومة الإنسولين، والأسوأ إذا كان الطفل يتناول طعامه وهو يشاهد جهازه أو التلفاز، مما يزيد من مخاطر زيادة الوزن وصولا إلى السمنة، والسبب أن الطفل ينشغل بالمشاهدة ولا ينتبه إلى إشارات الشبع التي يرسلها الدماغ، ما يؤدي إلى تناول كميات أكبر من الطعام.

ومن العادات الخاطئة التي يرتكبها بعض الأطفال تخطي وجبة الفطور الصباحي، إذ تزداد أهمية هذا الجانب الآن مع بدء العام الدراسي، فانتظار جرس الفسحة لتناول الفطور الصباحي من أكبر الأخطاء المؤثرة على الصحة، لأن مرور ساعات من الاستيقاظ دون تناول الفطور يؤدي إلى الشعور بالإرهاق والكسل والخمول، فالإفطار يعتبر الوقود الأساسي لنشاط الطفل الدراسي والحركي، وعند تخطي هذه الوجبة بعد الاستيقاظ وقبل التوجه للمدرسة يجعل الأطفال يميلون إلى تناول كميات أكبر من الطعام خلال ساعات النهار المتبقية، وغالبا من الوجبات غير الصحية، كما أن الجسم يبطئ معدل الحرق عند إهمال الإفطار، مما يعزز تراكم الدهون ويؤثر على التركيز والانتباه في المدرسة.

ومن العوامل الرئيسية التي تزيد أوزان الأطفال وتحديدا اليافعين والمراهقين عدم ممارسة أي نشاط رياضي، فالنشاط البدني عنصر أساسي للحفاظ على الوزن الصحي، ولكن مع انشغال الأطفال بالأجهزة والألعاب الالكترونية يصبح الخمول وقلة الحركة من أبرز مسببات زيادة الوزن والسمنة، وتشير التوصيات العالمية إلى أن الأطفال يحتاجون إلى ساعة يوميا من النشاط البدني المعتدل إلى الشديد وفقا لأعمارهم مثل كرة القدم، ركوب الدراجة، السباحة، الجري أو اللعب في الهواء الطلق.

ومن الملاحظ أن معظم الأطفال بمختلف شرائحهم العمرية أصبحوا يستهلكون المشروبات الغازية والمحلاة أكثر من الماء،  فالمشروبات السكرية سواء الغازية أو العصائر المعلبة تعتبر من أكثر مصادر السعرات الحرارية الفارغة، فالكوب الواحد منها قد يحتوي على ما يعادل 10 ملاعق صغيرة من السكر، ما يرفع مستوى الإنسولين في الدم ويزيد تخزين الدهون، فقد وجدت دراسات طبية أن الأطفال الذين يستهلكون هذه المشروبات يوميا أكثر عرضة لزيادة الوزن بنسبة تصل إلى 55% مقارنة بغيرهم.

وبما أن الحديث عن الجانب الغذائي فلا يفوتني أن أشير إلى مشكلة تأخير وجبة العشاء إلى وقت متأخر من الليل وقريبا من ساعة التوجه للنوم، فالأكل قبل النوم مباشرة من العادات الخاطئة صحيا، فالجسم أثناء الليل يقلل معدل حرق السعرات، مما يزيد فرص تخزين الطعام كدهون، كما أن هذه العادة قد تسبب اضطرابات في النوم ومشكلات هضمية وغيرها من الأعراض المرهقة للجسد.

ومن الأمور المرتبطة بزيادة الوزن قلة النوم، فالحرمان من النوم لا يؤثر فقط على مزاج الأطفال، بل له علاقة مباشرة بزيادة الوزن. فنقص ساعات النوم يرفع هرمون «الجريلين» المسؤول عن الإحساس بالجوع، ويقلل من هرمون «الليبتين» الذي يعطي إشارة بالشبع، والنتيجة زيادة الشهية والرغبة في تناول السكريات والكربوهيدرات، خاصة في الليل.

وبعد كل هذه السلوكيات الخاطئة التي قد تمهد الطريق نحو زيادة الوزن وصولا إلى السمنة يظل غياب القدوة من الأهل عاملا مهما، فعندما تعتمد الأسرة على الوجبات السريعة كثيرا والسهر دون مبررات وقضاء ساعات طويلة أمام الشاشات فلا يتردد الأبناء في اتباع نهج والديهم، فالقدوة تلعب دورا مهما في اتباع جميع أفراد الأسرة للنمط الصحي للحياة.

الخلاصة: يمكن مواجهة السلوكيات الممهدة لزيادة الوزن والسمنة عند الأبناء عبر خطوات فعالة تبدأ من تشجيعهم على تناول الوجبات العائلية بعيدا عن الشاشات، وتجنب الأطعمة غير الصحية، واستبدال المشروبات الغازية والسكرية بالماء والعصائر الطبيعية، والحرص على وجبة إفطار صحية ومتوازنة قبل التوجه للمدرسة فذلك يمد الطالب والطالبة بالطاقة اللازمة، إلى جانب وضع جدول نوم منتظم ويطبق حتى في الإجازة الأسبوعية، ولا يقل أهمية عن ذلك التقليل من الوجبات السريعة وتقديم بدائل منزلية صحية، مع تعزيز عادة ممارسة الرياضة يوميا بمشاركة جميع أفراد الأسرة لتكون القدوة العملية للطفل في أسلوب حياة صحي ومتوازن.