سعيد عبدالله جفشر

القيادة بالقدوة.. من هدي النبوة إلى مبادرات ولاة الأمر

الثلاثاء - 26 أغسطس 2025

Tue - 26 Aug 2025



تعد القيادة بالقدوة من أسمى المبادئ التي ميزت الرسالات السماوية والحضارات الإنسانية، وقد جاء الإسلام ليجعلها أصلا راسخا في بناء الأمم، حيث جسد النبي الكريم ﷺ هذا المبدأ في أبهى صوره، فكان قدوة في القول والعمل، في السلم والحرب، في العبادة والمعاملة، حتى صدق فيه قول الله تعالى: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾، فلم يكن يأمر أصحابه بأمر إلا وكان هو أول المطبقين له، فإن استنهض الهمم للدفاع عن الحق كان في الصفوف الأولى، وإن دعا إلى الصدقة كان أول المبادرين، وإن أمر بالصبر كان أكثرهم صبرا وثباتا، فترسخت مكانته في القلوب، وكانت طاعته نابعة من الحب واليقين لا من الخوف أو الإكراه. وقد سار الخلفاء الراشدون من بعده على النهج نفسه، فجعلوا من أنفسهم قدوات في الورع والعدل والتواضع، فكان أبو بكر رضي الله عنه مثالا في الزهد وخدمة الناس، وعمر رضي الله عنه رمزا للعدل والصرامة في الحق، وعثمان رضي الله عنه مضرب المثل في الكرم والبذل، وعلي رضي الله عنه قدوة في العلم والشجاعة والإنصاف، حتى غدت الأمة متماسكة يحركها صدق قادتها وقدوتهم.

وإذا نظرنا إلى التاريخ السعودي نجد أن القيادة بالقدوة كانت أحد أسرار تماسك هذه الدولة المباركة، فقد جسد الإمام محمد بن سعود عند تأسيس الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ (1727م) مبدأ القيادة بالقدوة، إذ تبنى دعوة تهدف إلى وحدة الأمة ونهوضها ونشر العلم ومحاربة الجهل، فكان حاضرا في الميدان سياسيا وعسكريا وإداريا، ملتزما بما يعلنه ويدعو إليه، مما جعل الناس يلتفون حوله عن ثقة ويقين بقدرة مشروعه وصدق أهدافه.

وسار أئمة الدولة السعودية في مراحلها التالية على النهج نفسه، مؤكدين أن القيادة لا تنفصل عن القدوة العملية. ثم جاء الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه ليعيد بناء الدولة السعودية الثالثة على الأساس ذاته، فكان قدوة في شجاعته وإقدامه وحنكته السياسية، يجوب البوادي والحاضرة ليؤكد وحدة الأرض والإنسان، ويباشر شؤون شعبه بنفسه مستمعا ومتفقدا ومشاركا لهمومهم، فانعكس ذلك في ثقة الناس به والتفافهم حوله. وقد واصل أبناؤه الملوك من بعده هذا النهج، فجعلوا من أنفسهم قدوات في الحزم والعطاء ورعاية شؤون الوطن والمواطن، حتى ترسخ في تاريخ المملكة أن القيادة ليست مجرد موقع مسؤولية، بل ممارسة عملية للقدوة الصالحة في القول والعمل.

وفي عصرنا الحاضر تتجلى القيادة بالقدوة في مواقف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، حيث قدما للعالم نموذجا حيا للقائد الذي يقود بالفعل قبل القول، ومن أبرز الأمثلة مبادرة سمو ولي العهد للتبرع بالدم، التي لم تكن مجرد دعوة إعلامية بل ممارسة عملية أطلقها بنفسه، ليجلس على كرسي التبرع ويجسد القدوة لشعبه في نشر ثقافة العطاء والإنسانية. وقد لقيت هذه المبادرة تفاعلا وطنيا واسعا، ومن أبهى صورها استجابة صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور حسام بن سعود بن عبدالعزيز، أمير منطقة الباحة، الذي لم يكتف بالتبرع بالدم عمليا، بل دعا أبناء منطقته إلى المشاركة في هذا العمل الإنساني النبيل، مؤكدا أن القائد الحق هو الذي يكون قدوة لأهله في القول والفعل. والأمير حسام ليس قدوة في هذه المبادرة فحسب، بل هو قدوة دائمة في جميع أعماله وتوجيهاته وجهوده المتواصلة في كل ما يخدم أبناء منطقة الباحة ويعزز مكانتهم، فصار نموذجا للقائد الذي يجمع بين المبادرة والتواضع والعمل الميداني القريب من الناس.

إن القيادة بالقدوة هي المبدأ الذي رسخه الإسلام منذ عهد الرسول ﷺ والخلفاء الراشدين، وسارت عليه الدولة السعودية منذ تأسيسها حتى يومنا هذا، وهو ما يجعل الشعب وقيادته في حالة تلاحم وثقة متبادلة. وإن مبادرة ولي العهد واستجابة أمراء المناطق لها، وفي مقدمتهم الأمير الدكتور حسام بن سعود، تمثل لوحة مضيئة من التكاتف الوطني والإنساني، تؤكد أن الكلمة حين تترجم إلى فعل تغدو أبلغ من آلاف الخطب، وأن القدوة الصالحة هي السبيل الأنجع لغرس القيم وترسيخ المعاني النبيلة في النفوس.