هتون أجواد الفاسي

مع المرأة الإيرانية قبل وبعد الثورة

الثلاثاء - 26 أغسطس 2025

Tue - 26 Aug 2025



صادف أني خلال الأسابيع الماضية وخلال مهمة قراءة العديد من الكتب لصالح تحكيم لمؤسسة علمية أمريكية، مر علي كتابان عن المرأة الإيرانية، وجدتهما يردان على بعضهما بعضا أو يكملان بعضهما بعضا، حتى أنهيت قبل قليل قراءة مقالة عن المرأة الإيرانية لم تنشر بعد، من وجهة نظر ثالثة فوجدت أن التعددية لا تحتمل رقما، وأنها دوما مفتوحة طالما كانت تعبر عن بشر ومجتمع، مهما كان منغلقا أو تحت عقوبات دولية لمدة عقود. هذا فضلا عن كتابين آخرين يتناول أحدهما بلاد ما وراء النهر في صلتها بإيران الصفوية في القرن السادس عشر، والثاني عن إيران القرن التاسع عشر المغولية القاجارية.

الكتاب الأول كان عن التيار اليساري في المجتمع الإيراني والذي لا يكاد يصدر صوتا لكنه عانى من كثير من الاضطهاد والسجن والإعدام والإخفاء للأشخاص ومحو لتاريخهم. كتبته البرز غاندهاري Alborz Ghandehari,، تحت عنوان «نظرات متجددة لنضال الحرية الإيراني ما بعد الثورة». «of Post-Revolutionary Conditions Renewed Visions of the Iranian Freedom Struggle».

نشرته مطابع جامعة نورثويسترن، عام 2025. وهو كتاب يتناول الحركة النضالية والثورات في إيران منذ بداية القرن العشرين مفتتحة بالثورة الدستورية بين عامي 1905-11، والتي ظن فيها الإيرانيون أنهم بعد أن أسقطوا الدولة القاجارية، ومعها الامبرياليتين البريطانية والروسية، قد استطاعوا الحصول على حقوقهم في المشاركة السياسية، فشكلوا برلمانا ليعبر عن الشعب ويقف أمام استغلال مصادر ثروته، لكنها ثورة لم يكتب لها عمر طويل، فاستطاع آل بهلوي في عام 1925 من الانقضاض على السلطة بانقلاب عسكري ومساعدة الإنجليز، فاستمروا حتى عام 1951 عندما استطاع الإيرانيون أن يحولوا الملكية إلى ملكية دستورية وانتخبوا محمد مصدق كرئيس وزراء عام 1951 لكن لم تمض ثلاث سنوات حتى جاء التدخل هذه المرة من الولايات المتحدة الأمريكية التي افتعلت انقلابا لإسقاط أول رئيس منتخب عندما قام بتأميم صناعة النفط الإيرانية عام 1953 كما سبق وفعلت في غواتيمالا وشيلي، وبقي الشاه محمد رضا بهلوي يحكم إيران حتى الثورة الإسلامية التي انطلقت نهاية عام 1978 ونجحت في فبراير 1979 مع وصول الخميني من باريس وتحولت ثورة الشعب إلى ثورة لصالح اجتهاد اخترعه الخميني يدعى ولاية الفقيه الذي حول الحكم تدريجيا إلى استبداد ديني، كان أكثر ما مارس جبروته على النساء. كانت البداية بفرض الحجاب في الوظائف الرسمية على النساء، على الرغم من أن النساء ومن كل الخلفيات شاركن في الثورة ليس لأجل التحكم في أجسادهن وإنما للقضاء على الفساد والاستبداد. بالوصول لعام 1983 أصبح الحجاب إلزاميا في كل الأماكن العامة. فقامت عدة انتفاضات بعد ذلك وبعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية مع تولي كل من رفسنجاني ثم خاتمي الحكم بين عامي 1991 و2005، حيث سمحا بكثير من الإصلاحات، حيث شهدت الساحة الإيرانية الكثير من الحراك النسوي والمشاركة في الفضاء العام والسياسي والاقتصادي مع ارتفاع عدد المنخرطات في التعليم العام والعالي. وبوصول أحمدي نجاد للحكم عام 2005 ثم ضربه للمعارضة التي حاولت منافسته على إعادة الانتخاب في 2009 دخلت إيران مرة أخرى في نفق من الأزمات الداخلية مع التشدد تفاقمت في قمع الاعتراض على تزوير انتخابات 2009 والأرواح التي زهقت والنساء اللاتي ارتفعت أسماؤهن بعد أن استهدفهن رصاص قناصة الحرس الثوري (ندا أغا سلطان) على سبيل المثال، رمز الثورة الخضراء.

وتجددت المظاهرات مع الربيع العربي في 2011 لكن لم تصل إلى نتيجة مع القمع الثوري، وتكرر الأمر عام 2017، ثم 2019 وأخيرا عام 2022 عندما اعتدى رجال الدين أو الشرطة الدينية على الفتاة ماهسا/جنى أميني في مركز للشرطة حتى الموت لعدم ارتدائها الحجاب كما ينبغي.

وصلت لآخر المقال وأنا لم أبدأ بعد.

قامت هذه الباحثة الأولى باستعراض حركات التحرر الظاهرة والكامنة في إيران عبر فترة قرن من الزمان، مع التركيز على فترة ما بعد الثورة الإسلامية. وتناولت خلال هذه الفترة ظهور فئة من النسويات بين الطبقة العاملة، لا سيما المدرسات، وكيف انتشرت تحركات النضال منها الخفي ومنها العلني، مع الكشف عن عمليات الإعدام التي نالت أكثر من خمسة آلاف معارض يساري في نهاية الثمانينات وكيف استعادت حركات الطلاب هذا الإرث من خلال مظاهراتهم وحراكهم، لا سيما النساء منهن، وكيف عبرن عن ذلك من خلال الأدب والشعر والرواية والفن التشكيلي. وتركز غاندهاري بشكل رئيسي على نساء الريف من الطبقة الكادحة وكيف نالتهن الحركة النيوليبرالية لتحديث الاقتصاد في مقتل مع استغلال البيئة وخصخصتها وإعطائها لمستثمرين حريصين على الكسب السريع، في تجاهل لأثر ذلك على الاقتصاد الريفي الذي تعتمد عليه النساء بشكل خاص، في ظل نظام أبوي يقيد عمل النساء ووصولهن إلى الموارد. وكيف امتد هذا النظام إلى الطلبة اليساريين ممن استرجعوا محاولة محو تاريخ النضال الشعبي، اعتراضا ومظاهرات وإضرابات تداخلت بين الحركة النسوية والطلابية، وأخذ كثيرا من الأشكال. وكانت أحد أشكال التعبير المؤثرة هي حملة المليون توقيع التي امتدت بين عامي 2006-2008، وضمت نساء من كل الخلفيات، إسلامية وماركسية، وليبرالية واشتراكية لدعم عشرة مطالب تسعى لتعديلات في القانون المدني وقانون العقوبات. وكان استعراض الفن والأدب والرواية ملفتا وحيويا، لعل أهمها روايتا «سولوش المفقودة» لمحمود دولت آبادي، و»نصيبي» لبارينوش صانعي، اللتان تتناولان قصص نساء وصراعاتهن مع الحياة، لا سيما عندما يكن معيلات، تروى عن طريق نمط الرواية التاريخية لما قبل فترة الشاه، يظهرن وهن في حالة اضطرار لمواجهة ملاك الأراضي وتجارها الذين يحاولون انتزاع الأرض التي تفلحها ليستبدلوا القمح بالفستق، وغير ذلك من صراعات تظهر فيها تحديات قانون الولاية والأسرة والإرث. بينما الرواية الثانية تتناول خمسين عاما من حياة معصومة البطلة في فترة ما قبل وبعد الثورة الإسلامية، لامرأة ذات دخل محدود في الريف الفارسي تهاجر من قم إلى طهران، وتمثل الرواية التحولات الدينية إلى علمانية وإلى نشاط المدينة السياسي لأولئك المنخرطين في الثورة. الجميل في استعراض هاتين الروايتين وما تمثلانه من سرد لتاريخ النساء وتحدياتهن أن الواحدة تبدأ من حيث تنتهي الأولى. وهذا الكتاب في مجمله محاولة لتسجيل مقاومة فئات من الشعب لقمع الجمهورية الإسلامية ونضالهم من أجل الحرية سواء من الاستبداد الداخلي أو الإمبريالية الخارجية بكل الوسائل، بالفن، بالموسيقى، بالأدب وبالكلمة. والمقارنة مثيرة عندما بدأت أقرأ الكتاب الثاني لأجد أن كل ما مر علي من سرد تاريخي هنا مكرر، لكن من منظور آخر. وإلى الأسبوع المقبل.