مهرجان لكل شيء، إلا لمن صنعوا كل شيء!
الثلاثاء - 26 أغسطس 2025
Tue - 26 Aug 2025
أصدقاؤنا وأحبابنا، أولئك المنظمون للمهرجانات، مخترعو الأفكار الحديثة، وحاملو لواء «إسعاد الناس في الصيف والشتاء»، لهم منا كل التقدير والحق يقال: هؤلاء المبدعون لا تعجزهم الأفكار. فما من نبات ينبت في أرض المملكة إلا وحولوه إلى مهرجان يليق به. خذوا مثلا التمور: مرة في الأحساء ومرة في القصيم، ومرة يتقاذفونها بين بريدة وعنيزة في منافسة شريفة ولطيفة، كما تتقاذف الكرة بين فريقين متنافسين. بل إن بعض المدن الأخرى صارت تنافس هي الأخرى: المذنب، شقراء، الأسياح... كل له تمره وكل له مهرجانه. ولا تعجب لو سمعت قريبا عن مهرجان البقدونس والكزبرة، ولو قدر الله أن ينبت جوز الهند في القصيم لرأينا لافتة ضخمة على مدخل المدينة مكتوب عليها «ولو كنت في السند، تعال لمهرجان جوز الهند!».
ولم ينس هؤلاء الأفذاذ المواسم: فمهرجان الصيف حاضر، والربيع لا يغفل عنه، والشتاء يدفئنا بفعالياته... وحده الخريف المسكين ترك مهملا. ربما لأن هناك ارتباطا ذهنيا بين الخريف وتساقط أوراق الأشجار، ونظرا لأن بعضهم - حسبي الله عليه - لا يزال يقص الأشجار من أعلى ومن أسفل برغم المنع الصادر بذلك، ولولا هؤلاء المخالفين لتساقطت أوراق الخريف، وصار عندنا مهرجان الخريف. ثم لا تنسوا الطائف وما فعلت بنا من رقة ولطف حين عطرت أنفاسنا بمهرجان الورود. جعل الله أيامنا كلها وردا وياسمينا، وجعل بعض المسؤولين ورودا أيضا بدلا من «شوك» القرارات المفاجئة!
ولكيلا نحصر أنفسنا في الزراعة والثمار، هب المبدعون إلى فضاءات أخرى: فها هو مهرجان الكوميديا يضحكنا ويسعدنا (ومن لم يضحك، عليه أن يراجع نفسه، ربما كانت نفسه ثقيلة!) ومهرجان «الصوت» ثم مهرجان «النور» للفن الضوئي الذي صار حديث العالم، وأصبحنا نقول للأجانب: عندنا فن يضيء... ليس فقط إضاءة الشوارع، بل سماء الرياض كلها منورة! وعلى الطرف الآخر من الخريطة، في جدة، مهرجانها التاريخي الذي يجعلك تسير في أزقة البلد العتيقة كأنك في فيلم وثائقي حي. وفي الصحراء البعيدة، هناك رالي حائل الذي يثبت أن الرمال ليست للجلوس عليها فقط بل للسباق والضجيج والمغامرات.
كل هذه المهرجانات - ما شاء الله - تغطي تقريبا كل شيء: من التمور إلى الأزهار، ومن النور إلى الضحك، ومن الرالي إلى الأفلام. ومع ذلك، هناك شيء ناقص، شيء بديهي فات على منظمينا الأفاضل. هل تعلمون ما هو؟ إنه مهرجان كبار السن.
نعم، كبارنا وأحبابنا الذين تعبوا وربوا وسهروا، ثم جلسوا اليوم بين جدران منازلهم ينتظرون زيارة أو مكالمة. ألا يستحقون مهرجانا خاصا بهم؟ مهرجانا يليق بذاكرتهم وبتجاعيدهم التي هي خرائط حقيقية للحياة. مهرجان فيه عبق الماضي، وتذكير لهم بأننا لم ننساهم، وفيه تسهيلات حقيقية للتنقل والحضور، وربما جولات بانورامية بالصوت والصورة لأولئك الذين لا يستطيعون مغادرة بيوتهم. تخيلوا معهم معرض صور قديمة، أغاني من الزمن الجميل، مقاعد وثيرة، قهوة عربية «ثقيلة» لا يقطعها إعلان ولا تنغصها سماعات صاخبة. يصعدون «للروشن» ويجلسون «بالحضار»، ويرون «معاميل» «والدوشق» وميزان الأعلاف من حجر وغيرها!
صدقوني، سيكون هذا المهرجان ألطف مهرجان وأصدق مهرجان. مهرجان يجعل كبارنا يبتسمون، ويجعلنا نحن نشعر أننا رددنا بعض الجميل لمن صنعوا هذا الوطن قبل أن نصبح هواة للضوء والصوت والتمور والقرع. وإن حدث ذلك، فسأكتب مقالا آخر - لا سمح الله - أعاتب فيه الجهة المنظمة إذا نسيت توفير جلسة خاصة لهم لأخذ «قيلولة»!