حسين الشريف

الضبط القضائي.. عدسة الجلسات وحارس الحقوق

الأحد - 24 أغسطس 2025

Sun - 24 Aug 2025



إن من أخطر مراحل إرساء العدل هي مرحلة التقاضي، ويكمن الخطر فيها نظرا لما تندرج عليها من مسائل متصلة بشكل مباشر بحفظ الحقوق والحريات التي قد تتعرض للانتهاك إما بسلبها أو النيل منها، وهي بالوقت ذاته مرحلة حرجة، إذ إنها تؤثر بشكل مباشر في استحقاق الحق أو نزعه من أي طرف، سواء كان مدعيا أم مدعى عليه.

وأتت تبعا لذلك النظريات الفقهية والقانونية التي تناولت الضمانات القضائية رامية إلى تحقيق العدالة الناجزة، وأوردت الأنظمة الإجرائية في طياتها ما ينص على أن الضبط حق مكفول لأطراف الدعوى باعتباره ضمانة قضائية، وفقا لما جاء في المادة الـ(73) من نظام المرافعات الشرعية والذي يعد المرجع العام للأنظمة الإجرائية كافة في السعودية، والمادة السادسة من لائحة الوثائق القضائية والمادة الأولى منها والتي عرفت الضبط بأنه «محضر الجلسة الذي تدون فيه الوقائع والإجراءات المتعلقة بالقضية، والبيانات الأساسية التي نص عليها النظام». كما ورد هذا الحق في المادة الـ(18) من نظام المرافعات أمام ديوان المظالم، وهو - بشكل عام - واجب على القاضي باعتباره رئيسا للجلسة، ومن ذلك ما جاء بكتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما، إذ جاء بضرورة احترام النظام الإجرائي كمفهوم عام، وهذا ما أقر به السلف في أحكام القضاء.

وفي اعتقادي، إن هذه الضمانة هي أكثر ما يهدر أثناء التقاضي، إذ نرى في ملفات القضايا تعنت البعض بضبط ما يحلو له من أقوال المتخاصمين وحججهم، وكأنما يضبط القاضي ضبطه بتسلسل معين بهدف الوصول إلى الحكم الذي يراه؛ وهذا إجحاف وتعسف في استخدام الحق، فلا يسوغ للقاضي أن يتحكم في إجراءات الخصومة كما يشاء، ويفرض ما يرى من إجراءات، وعليه الالتزام بضبط أقوال الخصوم دون الالتفات لأثرها في الدعوى ليكون ذلك التزاما منه بمبدأ الحيادية وتطبيقا لحق الدفاع، وله في تسبيبه وزن الأقوال وإعمال المنتج منها للوصل إلى حكمه.

وتجدر الإشارة إلى أن الأنظمة الالكترونية ساهمت في حفظ هذه الضمانة، إذ أصبح تقييد المذكرات الكترونيا وسيلة للخصم لإثبات قيد مذكرته إلا أننا لا نزال نرى من يرفض قيدها كاملة في ضبط الجلسة أو حتى الإشارة إليها، وحري بنا التطرق إلى تعديل الأصل في المرافعة لأن تكون كتابة بدلا من كونها شفهية، وهذا وإن كان معمولا به، إلا أن الجلسات القضائية تكاد لا تخلو من سؤال توجهه الدائرة إلى أحد الأطراف أو استجواب أو اعتراض مباشر على أمر حادث، وكل هذا يجب النص عليه في ضبط الجلسة حفظا لحقوق الأطراف وضمانة لهم في حال اعتراضهم على الحكم القضائي، إذ إن قضاة الدرجة الأعلى سيراجعون ضبوط الجلسات للتحقق من أقوال الخصوم ودفوعهم، وإهدار ضبط مذكراتهم له أثر بالغ في حرمانهم من الاستفادة من الدرجة التالية التي ما وجدت إلا للتحقق من صدور الحكم القضائي مثبتا للحق وصادرا وفق الأنظمة الإجرائية المتبعة.