ليلى علي مجرشي

المؤثرون الرقميون.. قوة جديدة تعيد تشكيل وجه الدبلوماسية السعودية

الأحد - 24 أغسطس 2025

Sun - 24 Aug 2025



في عصر تتسارع فيه وتيرة التحولات الرقمية، برز جيل جديد من السفراء، لا يحملون حقائب دبلوماسية تقليدية، بل هم المؤثرون الرقميون الذين عبر كاميرات هواتفهم الذكية ومحتواهم اليومي يعيدون تشكيل صورة الدول وثقافاتها أمام العالم. في المملكة العربية السعودية، لعب هؤلاء دورا محوريا في تعزيز الصورة الحديثة للبلاد، حيث استطاعوا عبر تجاربهم الشخصية أن ينقلوا للعالم رؤية 2030 بروح شبابية وحيوية.

لم يعد الوصول إلى الجمهور يحتاج إلى لقاءات رسمية أو بيانات معقدة، فبمقطع فيديو بسيط يوثق رحلة في مناطق سياحية سعودية مثل العلا أو البحر الأحمر، يمكن للمؤثر أن يحول هذه التجربة إلى حملة دعاية عالمية تجذب السياح والمستثمرين على حد سواء. ويتميز هؤلاء المؤثرون بقدرتهم على التحدث بلغة الجمهور المباشرة، التي تعتمد على المشاعر واللحظات العفوية، بعيدا عن البروتوكولات الرسمية.

تجارب مؤثرين سعوديين وعرب في مهرجان «موسم الرياض» أو خلال فعاليات «موسم جدة» أظهرت كيف يمكن لمنشورات شخصية أن تخلق زخما إعلاميا يدعم المشاريع الوطنية. عندما يشارك مؤثر سعودي أو أجنبي فيديوهات من الفعاليات الثقافية، أو يستعرض فنون الطهي السعودي التقليدي، فإنه يفتح نافذة حقيقية على التنوع الثقافي والحياة اليومية في المملكة، مما يعزز من قوة المملكة الناعمة بصورة غير مسبوقة.

القوة الناعمة في المملكة لا تقتصر على الإعلام التقليدي، بل تجسدت عبر منصات التواصل الاجتماعي التي يستخدمها ملايين السعوديين والعرب. على سبيل المثال، نجح حساب «Experience AlUla» في جذب انتباه الجمهور العالمي من خلال محتوى جذاب يعكس جمال موقع العلا التاريخي، بينما لعب المؤثرون دورا فعالا في الترويج للمهرجانات الرياضية مثل بطولة الدرعية للفورمولا إي، والتي ساهمت في تسليط الضوء على المملكة كمركز رياضي عالمي.

ورغم جاذبية هذه الظاهرة، بدأت الهيئات السعودية تدرك أهمية توظيف هذا التأثير ضمن استراتيجيات مدروسة، حيث تقدم تجارب مخصصة للمؤثرين تضمن إيصال رسائل محددة بطريقة طبيعية، بعيدا عن الطابع الرسمي الذي قد يفقد المتابعين اهتمامهم. هذا التوازن بين العفوية والتخطيط هو سر نجاح الدبلوماسية الرقمية في المملكة.

لكن التحديات لا تزال قائمة، فالمصداقية هي الأساس. فالمحتوى الذي يصبح مجرد إعلان مقنع قد يفقد ثقة الجمهور، كما أن المحتوى غير المحسوب قد يثير جدلا أو يسقط في أزمات رقمية يصعب السيطرة عليها، خصوصا في ظل سرعة انتشار الأخبار عبر منصات التواصل. لذلك، تحتاج المملكة إلى إدارة واعية توازن بين الحرية والمسؤولية للحفاظ على التأثير الإيجابي المستدام.

ومع التقدم التقني، تتسع آفاق المؤثرين الرقميين في السعودية، ليس فقط من البشر، بل أيضا مع بروز المؤثرين الافتراضيين المدعومين بالذكاء الاصطناعي، الذين يمكن أن يشكلوا أدوات جديدة لتعزيز القوة الناعمة. كما تتجه المملكة نحو استهداف مؤثرين متخصصين في السياحة البيئية والابتكار والثقافة، مما يعزز من دقة وفعالية رسائلها.

في النهاية، صار المؤثرون الرقميون سفراء جددا بلا حقائب دبلوماسية، يحملون قوة ناعمة تفوق في تأثيرها التصريحات الرسمية، ويعيدون تعريف الدبلوماسية العامة في المملكة. إنهم الجسر الذي يربط بين رؤية 2030 وشعوب العالم، لكن نجاح هذا الجسر يتطلب إدارة حكيمة توازن بين العفوية والاحترافية لتعزيز الثقة وبناء سمعة دولية قوية ومستدامة.

يبقى السؤال الأهم: كيف ستواصل المملكة استثمار هذه الطاقات الرقمية المتجددة لتوجيه رسائلها بفعالية، وتثبيت حضورها الثقافي والسياسي في عالم متغير بوتيرة متسارعة؟