عبدالعزيز محمد المعجل

أمضوا نيابة... فسئلوا أصالة أمام القضاء

السبت - 23 أغسطس 2025

Sat - 23 Aug 2025



لا غرو أن الوكالة تعد من أيسر التصرفات التي يقدم عليها المرء، إذ يبرمونها مع من يثقون بهم، معتقدين أنها تفضي إلى نتائج مأمونة، غير أن واقع الحال كثيرا ما يثبت خلاف ذلك، إذ قد يتحول هذا العقد إلى مدخل بلاء على الالتزامات المالية والنزاعات القضائية، بحيث يتورط فيها بما يعسر الفكاك منه، لا سيما إذا لم تمنح أو تدار بحذر ووعي كامل بعواقبها القانونية.

فإن كنت ترى أن الوكيل أهلا للثقة؛ فلا حرج في تفويضه بما تدعو إليه الحاجة، ولكن إياك إياك والوكالة المطلقة، فإنها باب عريض للخطر لا مندوحة منه إن أسيء استعمالها، ولا عذر لمن فرط في تقييدها.

ولا يحصى ما وقع أمام القضاء من جراء التهاون في ضبط الوكالة، دعاوى زج فيها أشخاص لا علم لهم بتفاصيلها، جراء وكالات غير مقيدة، أو ثقة وضعت في غير موضعها، فتنوعت صور التورط بين التزامات قانونية جسيمة، وبيوع تخللها الغبن، وإفراغات عقارية لأشخاص لم يلتق بهم الموكل قط، وتنازل عن حقوق مستحقة، بل وامتد الأمر إلى التورط في مسائل جنائية كاستيراد بضائع محظورة ونحوها، وكل ذلك بسبب ورقة لم تقيد بحكمة، ولم تدار ببصيرة.

والواجب على الموكل أن يقيد وكالته بحدود الغرض المحدد لا بعموم الحاجة؛ فإن كانت للبيوع قيدت بثمن أدنى لا ينزل عنه، وبالعين المبيعة وصفا ورقما. وإن كانت للإفراغ قيدت برقم الصك والمفرغ له تحديدا ونحو ذلك مما يرفع الجهالة، وهكذا على سائر أغراض الوكالة.

والغاية من تقييد الوكالة ليست أمرا اعتباطيا، بل هو ما ينسجم مع مقتضى النظام في حماية الموكل من تصرفات الوكيل غير المنضبطة. ويستند هذا إلى ما قرره نظام المعاملات المدنية على حكم النيابة في التعاقد، حيث نص صراحة أن «ليس للنائب أن يتجاوز حدود نيابته» فإن فعل، وتجاوز ما أذن له فيه؛ كان عرضة للمساءلة القانونية، وقد تندرج أفعاله - بحسب الملابسات - تحت طائلة جريمة خيانة الأمانة، متى ثبت الإضرار المتعمد أو التصرف في غير مصلحة الموكل.

ومقتضى القواعد الفقهية والمبادئ النظامية أن التفريط يسقط الحجة، وأن من وسع الإذن دون تقييد حمل نفسه تبعات تصرفات وكيله، أما الوكالة المقيدة، فهي من باب التصرف في حدود الغرض، ويحاط بها الموكل بما يحفظ حقه. بخلاف الإطلاق، فإنه مظنة التعدي والتفريط، وسبب مباشر في ترتيب آثار نظامية قد يصعب دفعها بعد وقوعها.