مال البخيل يأكله العيار
الأربعاء - 20 أغسطس 2025
Wed - 20 Aug 2025
تعتبر الأمثال قصة حياة ترويها الأجيال وتسردها، وتنقلها الأمم وتحكيها، وتقصها الشعوب وترويها كما هي؛ فهي حكاية صالحة لكل زمان ومكان يتناقلها الناس حتى وإن اختلفت اللهجات وتباينت اللكنات وتغايرت النبرات إلا أن المعنى والمغزى والمقصد والمدلول يبقى واحدا؛ فالمعنى والغاية يجتمعان في الأمثال وإن اختلفت كلماتها أو تفاوتت شخصياتها أو طرق إلقائها وأنواع لهجاتها وأساليب ألفاظها وطرق تعابيرها.
تعد الأمثال الشعبية جزءا لا يتجزأ من ثقافة أي مجتمع وجوهرا لا يقبل الانقسام من تراث المجتمعات؛ فهي تعكس تجارب وخبرات الأجيال السابقة وتحمل في ثناياها مجموعة واسعة من الأفكار وتنقل مقدارا كبيرا من العبر والدروس التي تساهم في توجيه السلوك وتشارك في تشكيل المفاهيم؛ فلها دور مهم ومساهمة كبيرة في توجيه السلوكيات المجتمعية وإرشادها وتبصيرها وترغيبها في تحقيق الأهداف والوصول إلى الغايات وإدراك الأمنيات، حيث تعكس الأحداث والمواقف التي يمر بها الإنسان خلال حياته التجارب الحياتية المتراكمة عبر الأجيال.
هناك العديد من الأمثال التي تستخدم للتحذير من صفات غير محبذة وتنتقد سلوكيات مشينة وتصرفات معيبة كالبخل، وأحد أشهر تلك الأمثال «مال البخيل يأكله العيار» وهو مثل شعبي قديم يصف حال البخيل ويضرب لمن ضاعت أمواله بين محتالين ومخادعين وغشاشين وخسائر ولم ينتفع بها؛ فقد بخل بها فجاء من استولى عليها بحيل أو صفقات خاسرة أو عمليات تجارية أو استثمارية تؤدي إلى خسائر مالية أو أضرار للمشاركين فيها، أو مات فأسرف الورثة في صرفها وبددوها في ملذاتهم، ويدل على النظرة الدونية لمن يتصف بالبخل على أنه أقل شأنا أو قيمة من غيره مع الشعور بالازدراء تجاهه، حيث التأثير السلبي لهذا السلوك على الأقربين والأبعدين، ويعني أن أموال البخيل التي جعلها كدسا بعضها فوق بعض في نهاية المطاف إلى شخص صاحب حيل يلجأ إلى المراوغة والتهرب والتحايل لتحقيق أهدافه ويضرب لمن يبخل بالحاجة؛ فتسلب منه احتيالا وتؤخذ منه بالغش والتدليس والغدر والمكر والخديعة.
البخل من الصفات المذمومة والسمات المنبوذة والخصال الذميمة، وهو آفة تمحق مآثر الإنسان الخيرة وتجتثها، وتفسد مكارمه الطيبة وتهلكها، وتسحق صفاته الحميدة وتقتلها، وتهدم أفعاله الخيرة وتحطمها، وتزيل سجاياه الحسنة وتذهبها، وتلك الآفة لا يقتصر ضررها على البخيل نفسه فقط بل يتجاوزها لكل الأنفس المخالطة له ويتعداه لجميع الأرواح المحيطة به؛ فيصيبهم كدر بالنفس وتشوش وتعكر في صفوها واختلاج بالقلب وضيق وشجن وكمد لقوة الحرمان والتقتير في العيش والإمساك في الإنفاق.
يتصف البخيل بأنه مادي وقاس ومتحجر وخال من الرحمة واللين، ومتسم بطابع العدوان ومحب للخصام وإيذاء الغير وصعب المراس وليس له أصدقاء وأناس مقربون منه لأنه باختصار إنسان طارد عائش لنفسه فقط مع تجاهل لحقوق الآخرين، وهو كاره للناس كاره للعطاء، ومهما حاول أن يغير الصورة فإنه لا يقدر لأن روحه مرتبطة بأمواله وينظر إلى ما في أيدي الآخرين ولا يقتنع بما يملك، ولديه رغبة عارمة في امتلاك الأموال والاستحواذ عليها، وحياته كلها توتر وبؤس وكدر وتنغيص ويأس؛ فلا يسعى لتحسين حياته البائسة ولا يجتهد لرفع دنو يده المفلسة، وهو لا يعلم بأن الأكفان ليس لها جيوب، وأن «مال البخيل يأكله العيار».