أبوبكر أحمد ولي

السحر المباح: الذكاء العاطفي

الثلاثاء - 19 أغسطس 2025

Tue - 19 Aug 2025


في عالم اليوم الذي يشهد تطورات سريعة وتغيرات مستمرة، لم تعد المهارات التقنية والمؤسسية وحدها كافية لضمان النجاح والتميز. بل أصبح الذكاء العاطفي عنصرا أساسيا لتحقيق الأداء الأمثل وبناء مستقبل مشرق للأفراد والمؤسسات على حد سواء. فما هو الذكاء العاطفي؟ بداية سأخبرك عزيزي القارئ وباختصار عن هذا المصطلح الحديث نسبيا. الذكاء هو القدرة على اكتساب المعرفة وفهمها وتطبيقها والتفكير بشكل منطقي والتكيف مع البيئات المختلفة بفاعلية. أما العواطف فهي نتائج استجابات لمحفزات داخلية وخارجية.

وعلى الرغم من ظهور مصطلح الذكاء العاطفي في أواخر القرن العشرين إلا أن كثيرا من علماء المسلمين وغيرهم تحدثوا عنه بطريقة غير مباشرة. حيث ذكروا أهمية التوازن النفسي وأهمية المعرفة الذاتية والوعي بالنفس والعاطفي كجزء من الصحة العامة، وتحدثوا عن تأثير العواطف على الحالة الجسدية مثل الحب والغضب والحزن، وأكدوا على أهمية الحفاظ على التوازن العاطفي لتحقيق صحة جيدة. ثم جاء وليام جيمس وذكر أنها نتيجة ما للتغييرات الفسيولوجية التي تحدث في الجسم استجابة لمحفزات معينة. ببساطة يعتقد وليام جيمس أن الطريقة التي نشعر من خل الها بالعواطف تعتمد على كيفية استجابة أجسادنا للمواقف المختلفة مثل السعادة والامتنان كعاطفة إيجابية، والغضب والحزن والخوف كعاطفة سلبية.

وأضاف دانييل جولمان في كتابه «الذكاء العاطفي» أن الذكاء العاطفي هو عبارة مجموعة من المهارات التي تساعد الأفراد على قراءة عواطفهم وعواطف الآخرين وإدارتها بفعالية. وذكر أن الأفراد الذين يتمتعون بذكاء عاطفي عال يكونون أكثر قدرة على تحفيز وإلهام فرق العمل وبناء علاقات قوية لتحقيق الأهداف المؤسسية المشتركة. وذكر جولمان أيضا أن الذكاء العاطفي يساهم في تحسين التواصل والعلاقات الإيجابية وتعزيز التعاون بين الأفراد وزيادة الرضا الوظيفي، مما يؤدي إلى بيئة عمل أكثر إنتاجية. وذكر أيضا أن القدرة على فهم العواطف وإدارتها تساعد المديرين على اتخاذ قرارات أكثر توازنا تأخذ في الاعتبار العوامل العاطفية والعملية. كما تبنى جولمان فرضية أن الذكاء العاطفي ليس فقط مكملا للقدرات العقلية التقليدية، ولكنه عنصر أساسي لتحقيق النجاح في بيئة العمل.

وذكر ستيفن كوفي في كتابة «الحاسة الثامنة» أن الوعي والتحفيز والالتزام الذاتي وفهم واحترام الآخرين والتعاون والتعاطف معهم تعتبر من المكونات الأساسية للذكاء العاطفي الداعم والمعزز لبناء علاقات مؤسسية وشخصية ذات قيمة عالية. ويرى أن الذكاء العاطفي يمنع الإصابة بالإحباط والقلق والاضطرابات الداخلية والغضب والحسد والشعور بالذنب. الأمر الذي ينعكس إيجابا على بيئة العمل والحفاظ على روح المؤسسة وحيويتها.

ووفقا لما ذكره علماء النفس والإدارة أن الذكاء العاطفي أصبح يتشارك الأهمية بنسبة كبيرة مع المهارات المؤسسية (مثل الإدارة والقيادة وإدارة المشاريع والتفكير الاستراتيجي والعمل في فريق والرقمنة والإبداع والابتكار) التي تعتبر مهارات أساسية لضمان العمل المتدفق والسلس والفعال لنجاح الأفراد والمؤسسات. ونتيجة لما يشهده العالم من تغيرات متسارعة في مختلف المجالات. التي لم تقتصر فقط على التكنولوجيا والعلوم، بل امتدت لتشمل الطريقة التي نعيش ونعمل بها.

ولأن فلسفة الذكاء العاطفي تقوم على فهم العواطف لدى الآخرين وكيفية تأثيرها على تفكيرهم وسلوكهم، وذلك لكونه يرتكز على عدة مبادئ أساسية مثل قراءة العواطف الذاتية وعواطف الآخرين وفهمها وربطها بالتفاعلات السلوكية، ثم إدارتها بما يعزز بناء العلاقات ورفع مستوى الجودة والإنتاجية وخلق بيئة عمل إيجابية وجاذبة. من وجهة نظري أرى أنه لم يعد يكفي أن تكون ماهرا في مجال تخصصك فحسب، بل يجب أن تتمتع أيضا بقدرة عالية على التعامل مع الآخرين وإدارة العواطف الذاتية وعواطف الآخرين بمهارة عالية وفعالية.

وأختم بقولي إن كان الذكاء العاطفي مفتاحا للنجاح في القرن الحادي والعشرين، وإن النجاح يعتبر استثمار وتحديا جميلا ومدخلا من مدخلات جودة الأداء المؤسسي المؤدي لإسعاد المستفيدين. فإن الذكاء العاطفي أصبح هو المفتاح الأكثر أهمية في حياتنا المجتمعية والمؤسسية. ولا شك أنه فرع من فروع الإحسان. ولتأثيره القوي في بناء العلاقات الإيجابية والنجاح بعد توفيق الله، أقول مجازا إن الذكاء العاطفي هو السحر المباح.

abuabkrw@