عبدالله علي بانخر

الأرقام تتحدث: تحدي التمييز بين الحقيقة والكذب على وسائل التواصل الاجتماعي

الثلاثاء - 19 أغسطس 2025

Tue - 19 Aug 2025


في العصر الرقمي، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة رئيسية لتبادل الأخبار والمعلومات. ومع تزايد المحتوى المنشور، يواجه المستخدمون تحديا هائلا في التمييز بين الحقيقة والكذب. هذا التحدي لم يعد مجرد مشكلة عابرة، بل تحول إلى أزمة ثقة عالمية تؤثر على الأفراد والمجتمعات على حد سواء. جزء من صعوبة هذه الأزمة يكمن في عدم وجود تعريف واحد متفق عليه لما يُعرف بـ«الأخبار الكاذبة». فهي لا تقتصر على القصص الملفقة بالكامل، بل تتضمن أيضا العناوين المضللة التي تهدف إلى جذب الانتباه، والمحتوى المتحيز الذي يقدم جزءا من الحقيقة فقط، والمعلومات الخاطئة التي تنشر عن غير قصد، والمعلومات المضللة التي تنشر بنية التضليل. بغض النظر عن التعريف، الأرقام والدراسات الحديثة تكشف بوضوح حجم هذه الأزمة وتأثيرها المتزايد.

التعرض للمعلومات المضللة: الأرقام تحذر
تشير أحدث الأبحاث إلى أن غالبية مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يتعرضون للمعلومات المضللة بشكل منتظم. وفقا لمعهد رويترز لدراسة الصحافة (2024)، يعرب 59% من مستخدمي الإنترنت عن قلقهم بشأن ما هو حقيقي وما هو مزيف من الأخبار على المنصات الرقمية. هذا القلق في تزايد مستمر، حيث ارتفع بنسبة 3 نقاط مئوية خلال عام واحد فقط.

جامعة كانبيرا (2024): في تقريرها عن الأخبار الرقمية في أستراليا، أكدت أن 75% من المستخدمين يساورهم القلق بشأن المعلومات المضللة، بزيادة حادة بلغت 11 نقطة مئوية منذ عام 2022.

هيئة الإحصاء الكندية (2023): أظهرت بياناتها أن أكثر من 43% من الكنديين يجدون صعوبة في التمييز بين الأخبار الحقيقية والكاذبة.

هذه الأرقام لا تقتصر على منطقة جغرافية معينة، بل تعكس ظاهرة عالمية.

مشاركة الأخبار المزيفة: عن قصد أم عن غير قصد؟
المشكلة لا تكمن فقط في التعرض للأخبار الكاذبة، بل في سرعة انتشارها أيضا. تشير دراسات إلى أن نسبة كبيرة من المستخدمين يشاركون المعلومات المضللة، سواء بقصد أو دون قصد.

- استطلاع Redline Digital (2024): كشف أن 38.2% من مستهلكي الأخبار في الولايات المتحدة شاركوا أخبارا مزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي دون علمهم بأنها غير صحيحة.

- دراسة جامعة لافبورو (2019): في المملكة المتحدة، اعترف 42.8% من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين يشاركون الأخبار بأنهم شاركوا أخبارا غير دقيقة أو كاذبة في مرحلة ما.

الذكاء الاصطناعي: عامل جديد في معادلة التضليل
مع التقدم التكنولوجي، أصبح التمييز بين الحقيقة والكذب أكثر صعوبة. يمثل الذكاء الاصطناعي التوليدي تحديا جديدا، حيث يسهل إنشاء محتوى مزيف عالي الجودة يصعب كشفه. في عام 2023، شهد العالم زيادة بثلاثة أضعاف في مقاطع الفيديو المزيفة (Deepfakes) وزيادة بثمانية أضعاف في مقاطع الصوت المزيفة مقارنة بعام 2022. هذه الأرقام تُظهر أن التكنولوجيا أصبحت سلاحا ذا حدين في هذه المعركة.

ختاما: دعوة للوعي ومستقبل من التحقق
إن الأرقام تتحدث بوضوح: التمييز بين الحقيقة والكذب على وسائل التواصل الاجتماعي هو تحد حقيقي يتطلب وعيا متزايدا. في ظل هذا الفيضان من المعلومات، تقع مسؤولية كبيرة على عاتق الأفراد والمؤسسات. لكن، على الرغم من هذه التحديات، هناك ما يدعو للتفاؤل؛ فالوعي المتزايد بالمشكلة يساهم في إيجاد حلول أكثر فعالية. التكنولوجيا نفسها التي سهلت انتشار التضليل بدأت تستخدم في تطوير أدوات للتحقق من الحقائق، كما أن المؤسسات الإعلامية والتعليمية تعمل بجهد على تعزيز ثقافة الشك الصحي والتحقق. إن مستقبل المعلومات الرقمية لا يزال في أيدينا، وكل قراءة أو مشاركة واعية يمكن أن تساهم في إما نشر الحقيقة أو تأجيج نار الكذب، وفي نهاية المطاف بناء مجتمع رقمي أكثر ثقة وموثوقية.