لا توجد معاناة مع الاتصال بخدمة العملاء!
الثلاثاء - 19 أغسطس 2025
Tue - 19 Aug 2025
تبدأ هذه المعاناة ولا تنتهي؛ رحلة تبدأ بالمجيب الآلي الذي يفتح لك أبواب «المتاهة الرقمية»، ثم تجبر على الضغط على رقم (1) و(2) و(3) حتى تصل للرقم (10)، وأنت لا تعرف أين تقع الخدمة التي تحتاجها. الخدعة الأجمل أن أصعب مهمة على الإطلاق هي التواصل مع ممثل خدمة العملاء. أقول خدعة لأنها آخر ما تتمناه تلك الجهة؛ فالتواصل مع موظف يعني راتبا، والراتب يعني تكلفة إضافية، والشركة لا تحب هذه الكلمة إطلاقا. ومع سيل الأرقام والتعليمات، لا تجد نفسك إلا أمام العبارة الأزلية «للعودة إلى القائمة الرئيسية اضغط المربع». ثم تبدأ من جديد رحلة البحث عن الخدمة الضائعة. المجيب الآلي لا ينسى أن يذكرك دوما بعبارات المواساة «مكالمتك تهمنا، نرجو الانتظار» (هل صحيح مكالمتنا تهمكم؟) «نحن الآن نخدم عملاء آخرين».
(وأنا؟ أليس من حقي أن أكون أحد هؤلاء الآخرين؟)
أما السؤال الوجودي الذي لا نجد له جوابا: لماذا عدد الممثلين أقل من عدد المتصلين بألف مرة؟ وما إن تصل للخدمة التي تريدها حتى ينقطع الخط! وتبقى في حيرة: هل المشكلة من هاتفك؟ من التغطية؟ من النظام؟ أم أنه قدر إلهي لا يفسر؟ والمصيبة لو ضغطت رقما خطأ، عليك العودة من جديد إلى بداية المتاهة. وإن كتب الله لك نصيبا وابتسم لك الحظ، سيرد عليك ممثل خدمة العملاء. لكن المفاجأة الكبرى أنه ليس المختص! فيحيلك إلى رقم آخر... وتبدأ الرحلة من جديد.
وأخيرا تصل إلى الموظف المختص، لتبدأ بينك وبينه «معركة صغيرة». المشكلة أن أغلب ممثلي خدمة العملاء جدد وتحت التجربة: إن أثبت كفاءة، تتم ترقيته ويغادر «الجبهة». أو إن لم يثبت كفاءة، يستقيل أو يقال. لذلك، لا يعمرون طويلا في هذه المهنة الصعبة. والمشهد الأكثر شهرة: مهما شرحت مشكلتك بحرقة، يرد عليك بجملة محفوظة «متفهم مشكلتك، لكن النظام لا يسمح». وإذا فكرت أن تطلب تحويلك إلى المشرف أو المدير، فأنت تطلب المستحيل! فهذه الخطوة تكاد تكون محرمة. ورغم أن المكالمة مسجلة لأغراض الجودة، إلا أن الجودة نفسها في إجازة. ثم يقول لك الموظف: انتظر قليلا على الخط. فتبدأ رحلة جديدة مع موسيقى الانتظار. موسيقى ثابتة، مزعجة، تجعل عقلك يذوب ببطء. يطول الانتظار لدرجة الملل، وتفكر بإغلاق الخط، لكنك تتراجع لأنك تعبت كثيرا حتى وصلت لهذه المرحلة. وبينما أنت متشبث بالأمل... فجأة ينقطع الخط من تلقاء نفسه، أو تأتيك مكالمة مهمة، أو تنسى مع من تتصل! إن حالفك الحظ وعاد الموظف، يطمئنك بعبارة أسطورية «سيتم حل مشكلتك خلال 24 ساعة».
لكن بعد 24 يوما، تكتشف أن مشكلتك ما زالت كما هي، وربما ازدادت سوءا! وفي النهاية، تصل رسالة «نرجو أن تكون خدماتنا قد نالت رضاك. نرجو المشاركة في الاستبيان». الاستبيان! آخر ما يمكن أن تفكر فيه. وهل سمع أحد يوما عن موظف اتصل بالعميل وقال له: رأينا تقييمك السلبي، ما مشكلتك؟ أنا لا ألوم ممثل خدمة العملاء، ولا حتى الشركة نفسها، بقدر ما ألوم غياب الرقابة الحقيقية على هذه الخدمات. ربما المشكلة في الجهة المشرفة، وربما في الشركة، وربما في نفسك وربما أنا لا أعلم لماذا صدقت أصلا أن مشكلتك ستحل عبر الهاتف؟
Halemalbaarrak@