عبدالله قاسم العنزي

الذئب المنفرد... بين النص النظامي وصورة التوحش

الاثنين - 18 أغسطس 2025

Mon - 18 Aug 2025


في سجل الجريمة المنظمة، ثمة مجرم لا يظهر في موكب ولا ينطق باسم جماعة، لكنه أخطر من جيش منظم؛ إنه الذئب المنفرد.! ذاك الذي يختفي خلف قناع الفردية، ويتحرك في صمت الليل، يرسم بخطى باردة طريقه نحو هدفه، ثم ينقض في لحظة، كما ينقض الذئب على الشباب المنفردين عن الوعي وحس الوطنية، فلا يترك وراءه إلا رماد الأمن وجراح الأرواح.

إن نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله في المملكة العربية السعودية، بمادته الـ(1)، يضع هذا الصنف من المجرمين في صميم تعريف الجريمة الإرهابية: كل فعل يهدف إلى الإخلال بالنظام العام أو تعريض أمن الدولة ووحدتها واستقرارها للخطر. والذئب المنفرد لا يكتفي بتهديد فرد أو منشأة، بل يضرب في صميم الطمأنينة الجماعية، فيحول الحياة اليومية إلى حقل من الترقب والخوف.

كما أن الذئب في البرية يفترش فريسته في موضع معزول، يمزق لحمها بعيدا عن أنظار الناس، فإن هذا الإرهابي المنعزل يفترش أرواح الأبرياء ويعبث بمقدرات الدولة في الخفاء، يخطط ويحسب، ويتحين اللحظة التي يكون فيها الضحية بلا حماية أو الدولة منشغلة بجبهة أخرى. يظن أن عزلته حصن، وأن لا عين ترصده، لكن أجهزة الأمن السعودية، بفضل يقظتها ومهارتها التقنية، تحول هذا الوهم إلى شَرك، فيسقط حيث ظن الأمان.

لقد عانت المملكة من محاولات هذه الذئاب البشرية، التي لبست ثياب المارة وأخفت أنيابها خلف شعارات كاذبة، فاستهدفت رموز الدولة ومنشآتها ومواطنيها، ظنا منها أن ضربة واحدة تكفي لزرع الفوضى. لكنها وجدت أمامها شعبا متماسكا، يلتف حول ولاة الأمر ورجال أمن، ويرفض فكرها، ويتبرأ من فعلها، ويقف سدا منيعا أمام كل يد تحاول العبث بمقدراته.

إن المادة (38) وما بعدها من النظام تمنح السلطات صلاحيات واسعة في تعقب وضبط كل من تتوافر بحقه دلائل على ممارسة أو التخطيط لعمل إرهابي، سواء تم ذلك في إطار جماعة منظمة أو عبر فعل فردي منعزل. وهذا يسقط عن «الذئب المنفرد» أي وهم بالحصانة، ويؤكد أن الانعزال لا يعفي من العقاب، بل قد يزيد من شدته لما فيه من مكر وخداع.

ولئن كانت المعركة مع الجماعات الإرهابية تقتضي تفكيك شبكاتها، فإن مواجهة الذئب المنفرد تتطلب عيونا ترصد الأثر الخافت، وخبرات تلتقط الإشارة وسط ضجيج الحياة. وهذا ما برعت فيه المملكة، حين جمعت بين القوانين الصارمة، والتقنيات الحديثة، والدعم الشعبي، لتجعل من بيئتها أقل أرض تصلح لخطى الذئاب.

أيها القارئ، الذئب المنفرد ليس أسطورة غاب، بل حقيقة أمنية، يختار أهدافه ببرود، ويمارس جريمته كمن ينفذ مهمة مقدسة في وهمه، غير مبالٍ بما يتركه من دموع وأشلاء. ولكنه، أمام إرادة الدولة وموقف الشعب، يبقى ذئبا يركض نحو مصيره المحتوم، حيث لا يستقبل إلا بناب العدالة وحد السيف.

وفي الختام، يبقى الأمن حصن الوطن، ورجال الأمن وسياجه المنيع، والمجتمع السعودي، بكل أطيافه، حارسا يقظا، يرفض الفكر المنحرف ويتبرأ من حامليه. وإن كل من يلمح ذئبا منفردا يتربص أو يتآمر، بواجبه الشرعي والوطني أن يبلغ فورا: (911/990).

فهذه الأرقام ليست مجرد وسيلة اتصال، بل هي جسر الأمان الذي يصل المواطن بدولته، وصوت الضمير الذي يسبق صوت الخطر، وسهم اليقظة الذي يصيب الذئب قبل أن ينقض.

الرسالة: وليعلم كل ذئب منفرد، أن المجتمع هنا واحد، والعيون يقظة، والعدالة لا تنام.

expert_55@