عبدالله قاسم العنزي

أم خيط الساحرة (جريمة درامية تلامس الواقع)

الخميس - 14 أغسطس 2025

Thu - 14 Aug 2025

حين تتحول النية الفاسدة إلى خيوط في كيس، وأدلة في محضر ضبط.

في حي تتجاور فيه البيوت كما تتجاور الأوهام والعقول، كانت "أم خيط" شخصية معروفة... لا لكرمها، ولا لحسن جوارها، بل لـ"كيسها الأسود"، وعباراتها الغامضة: "أعطني اسم الأم، وسأعقد له لسانه مثل خيط الصوف"!

عجائز الحي يتهامسن عن قدراتها، والمراهقات يتبعنها خلسة، بحثا عن حل سحري لمشكلة عاطفية، أو انتقام أنثوي من جارة أكثر جمالا. ولأن السوق لا يركد، كانت الزبائن يتكاثرن، و"أم خيط" تكثف زياراتها للبقالات لشراء الملح الخشن، والبيض النيء، والمقصات الصغيرة، وعلب الكبريت... أدوات ليست لحرفية، بل لخرافة!

وفي يوم غلب فيه القمر النجوم ضياء، تم القبض عليها بعد بلاغ من فتاة صغيرة وجدت ورقة مدفونة في أصيص الزرع أمام منزلهم مكتوب فيها "تبلد قلب فلانة بنت فلانة، كما يتبلد الملح في الماء".

ألقي القبض على أم خيط، وفتش الكيس، فإذا به خيوط مربوطة، وصور ممزقة، وأسماء مكتوبة بماء الزعفران، وملفات بأسماء النساء، بعضها يحمل صور هويات قديمة، والبعض الآخر "طلبات خاصة".

في التحقيق قالت:
"أنا ما سويت شيء... بس أساعد الناس!"
سألوها:
كيف تساعدينهم؟
فقالت، بكل صفاقة:
"أربط الخيط، يفك الله أمورهم".

أي فقه هذا؟! وأي شريعة أباحت ربط أعمار الناس بخيط، وتفريق الأزواج بنَفَس مشؤوم، وتسميم الثقة بأوهام تسوق في سوق الظلمات؟!

إن تكيف القضية بوصفها جريمة سحر وشعوذة، وفق المادة الثالثة من نظام مكافحة جرائم المعلوماتية إذا تم توثيق الترويج الكترونيا، وبموجب نظام مكافحة السحر والشعوذة المعمول به في النيابة العامة، تعتبر من الجرائم الموجبة للتوقيف، وتعامل بوصفها جريمة تمس الأمن العقدي والمجتمعي، لا مجرد خرافة.

كما قد تعتبر صورة من صور الاعتداء المعنوي على الغير، بإفساد علاقاته الاجتماعية، والتأثير في إرادته، وبالتالي تنفتح لها أبواب التعويض إن ثبت الضرر، فضلا عن حد الحرابة أو التعزير الشديد إذا ثبت استخدامها للشياطين أو الإضرار المحقق بالناس.

موقف عقدي:
قال الله تعالى:
"وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر" [البقرة: 102]
وفي الحديث الصحيح:
"اجتنبوا السبع الموبقات - ومنها السحر".

أحيانا لا يكون الخيط هو المشكلة، بل العقل المربوط الذي صدق أن الأقدار تدار من تحت الوسادة.

وأحيانا لا تكون الساحرة ذكية، بل من انخدع بها هو من اختار أن يعلق مصيره بكيس قذارة ملفوف بخرافة.

رسالة المقال:
"لا تتعلق بمن يبيع الأمل في قارورة ويدفنه في حائط... التعلق بالله وحده هو العقد الشرعي، وما عداه باطل في الدنيا، موصل للعقوبة في الآخرة".

expert_55@