علي الحجي

فقاعة الأنا: جيل يطالب بكل شيء دون أساس

الخميس - 14 أغسطس 2025

Thu - 14 Aug 2025


ليس من السيئ أن يحب الإنسان نفسه أو يقدرها، بل ذلك ضرورة في كثير من المواقف، ولكن حين يتحول هذا التقدير إلى بالون وهم منفوخ، يصبح الإنسان أسير صورته الذهنية عن نفسه، لا صديقها، وهذا ما يلاحظه الآباء والمربون المتصلون بالجيل الجديد بشكل مباشر، فدرجة الاستحقاق عالية جدا دون قاعدة استحقاق وبشكل مستفز أحيانا، فالمراهق حين يضغط على والده لشراء جوال تعادل قيمته نصف راتبه، والطالب الذي يجادل معلمه من أجل درجات غير مستحقة، والفتى الذي يزعج الناس بسيارته لإفساح الطريق كلها صور لبالون الاستحقاق المنفوخ.

فحين يبالغ الفرد في الشعور بأنه «يستحق كل شيء»، وأنه دائما على حق، ومحور الكون، وأن أي اختلاف هو هجوم، وأي نقد هو تقليل، فإننا أمام حاجز جديد في العلاقات الإنسانية، حاجز غير مرئي، لكنه حاد. هذا الحاجز يعيق التفاهم، ويجعل من الحوار ساحة صراع بدل أن يكون جسرا للتلاقي.

غالبا ما تتشكل هذه الفقاعة حول الذات بسبب وهم التميز الذي يخشى أن يفقده ليكون عاديا، فتربيته على إنه مميز ومجاملته ومسايرته صنعت له برجا من وهم يخشى أن ينهار، فيكون شكلا من أشكال الحفاظ عليه الهروب للأمام وترسيخه في عقول الآخرين كما رسخ في عقله، بالمبالغة في إبرازه، وفي رسم صورة ذهنية عن الذات كأنها معصومة من الخطأ أو أعلى من الواقع. مع خطاب عام منتشر في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام يغذي هذا التضخم، بعبارات مطلقة مثل «لا تسمح لأحد أن يخبرك من أنت» أو «أنت مميز دائما»، إلى عبارات التحفيز التي تركز على الشكل دون محتوى.

الحقيقة أن الإنسان المتزن لا يرى نفسه مركز الكون، بل يفهم أن له حدودا، وأن تقدير الذات لا يعني تضخيمها بل فهمها. يعرف أنه قد يخطئ، وقد يرفض، وقد لا يكون الأفضل دائما... ولا بأس في ذلك. بل إن هذا الاعتراف هو ما يمنحه القوة الحقيقية في التواصل مع الآخرين، وفي بناء علاقات إنسانية متينة لا تبنى على المجاملات أو الانبهار الذاتي.

التربية على الاعتدال في النظرة إلى النفس هي تربية على النضج. فالطفل أو الشاب الذي يتعلم منذ صغره أن قيمته لا ترتبط بالمبالغة في التميز، بل في قدرته على التعايش مع الآخرين، على الاعتراف بالقصور والعمل عليه، سيكون أقدر على النجاح الحقيقي لا الزائف، وعلى قيادة نفسه قبل أن يحاول قيادة العالم.

وحده الإنسان المتصالح مع نقاط ضعفه هو الذي يستطيع أن يطور نقاط قوته. أما من يلبس نفسه درعا لامعا من الغرور، فسيظل يلمع من بعيد... لكنه هش من الداخل، ويتكسر عند أول احتكاك بالحياة.

aziz33@