تخدير الذات
الخميس - 14 أغسطس 2025
Thu - 14 Aug 2025
في زمن الضغوطات وكثرة التحديات، ننتقل أحيانا من الإحساس بتقدير الذات لما أسميته «تخدير الذات» كآلية للهروب من الألم وعدم المواجهة والغوص في أفكار تشكل عادات مجهدة، كالانشغال المفرط في أشياء مختلفة أو تبني إنكار داخلي للواقع، وهو أسلوب لا شعوري يدفع الفرد لممارسات تخلق حاجزا مؤقتا بين الشخص وواقعه النفسي والمشاعري، وقد يظهر ذلك من خلال تجنب التفكير أو إقناع النفس بأن كل شيء على ما يرام وبخير رغم الشعور العميق بعدم الارتياح.
من هنا يظهر مفهومان مرتبطان بالشخصية «نسيان الذات» و«تجنيد الذات ضد الذات»، وهو بروز خصم شخصي داخلي يعيق التطور والنمو.
نسيان الذات هو تجاهل المشاعر، والاحتياجات، والقيمة الذاتية، والأهداف الحقيقية فيعتاد الإنسان تهميش صوته الداخلي ليتلاشى تدريجيا الشعور بالهوية فتصبح الحياة قائمة على ردود الأفعال لا الأفعال ذات المعنى.
أما تجنيد الذات ضد الذات هنا يتحول الشخص لقائد سلبي في داخله ليستخدم صوته العميق في تثبيط عزيمته بدلا من تشجيعها. فيبدأ بجلد ذاته عوضا عن فهمها، ويقارن نفسه بالآخرين بشكل مؤذٍ وينقاد وراء السلبية تحت شعارات المنطق والواقعية، ويشوه محاولاته ويقلل من قيمة إنجازاته.
يولد ذلك تناقضا داخليا معقدا، حيث يريد الشخص أن يتغير لكنه يقف أمام نفسه عائقا مؤثرا على نموه الذاتي، فيحدث في هذه الحالة تجمدا للنمو الذي يتحول بالتالي لأربعة معوقات: أولا ضعف الوعي الذاتي لتصبح القرارات غير مدروسة، والخيارات نابعة من خوف وتردد. ثانيا تأخر النضج العاطفي، وذلك بدفن المشاعر المؤلمة لا معالجتها. ثالثا اجترار المواقف السامة فقط لأن التعلم من التجارب غير ممكن دون مواجهتها. رابعا فقد المعنى، حيث يصبح الشخص مجرد منفذ للعادات بلا احساس.
التأثير الاجتماعي وتأثر العلاقات، فالذات غير المتصالحة مع نفسها تنعكس على محيطها وتسبب في نشوء علاقات سطحية أو سامة بسبب صعوبة التواصل بصدق وشفافية. كذلك إسقاط الألم الداخلي على الآخرين في شكل انتقادات أو سلوك دفاعي دائم. وأيضا ضعف القدرة على التعاطف لأن من لا يتصل بمشاعره، يصعب عليه فهم مشاعر غيره. ناهيك عن التسبب في العزلة والتعلق المرضي نتيجة غياب التوازن الداخلي.
كيف نكسر دائرة التخدير؟
1 - الاعتراف بالشعور دون مقاومة.
2 - العودة للحظة الحاضرة عبر التأمل أو الكتابة.
3 - طرح أسئلة وجودية: ماذا أريد حقا؟ ما الذي أهرب منه؟
4 - العمل على الشجاعة النفسية بدل الراحة المؤقتة.
5 - طلب المساعدة عند الحاجة (علاج نفسي، دعم اجتماعي، مجموعات تأمل أو دعم ذاتي).
قد ينتابنا شعور تخدير الذات في أي فترة من فترات العمر وبسبب مطبات ومواقف حياتية، وهو رد فعل بشري طبيعي في بعض الظروف، لكنه يصبح معضلة حين يتحول إلى عادة دائمة تعيق النمو وتفصلنا عن أنفسنا. العودة إلى الذات تتطلب شجاعة لا تُرى، لكنها تثمر حياة أكثر صدقا، وعمقا، وارتباطا بالآخرين. فالمواجهة هي أول الطريق نحو الحرية، والتطور، والسلام الداخلي.