سعود المشهور

سوريا الوجه الآخر للتغيير

الأحد - 05 يناير 2025

Sun - 05 Jan 2025

لم يكن أكثر المتفائلين أو المتشائمين منذ شهر يتوقع أن يكون سقوط النظام في سوريا بهذه السرعة، أحد عشر يوما كانت كفيلة بدخول مقاتلي المعارضة إلى قلب دمشق وهروب بشار الأسد إلى موسكو مع عائلته.

تفاجأ العالم بحجم المأساة وكانت البداية بصور سجن صيدنايا وسجونه السرية، وتتالت صور السجون الأخرى والمقابر الجماعية وامتلأت ساحة المرجة بقلب دمشق بصور الآلاف المفقودين والمغيبين قسريا على أمل الحصول على أي خبر عنهم أيا كان هذا الخبر.

تقدر الشبكة السورية لحقوق الإنسان عدد المعتقلين والمختفين قسرا في سوريا بعد إفراغ السجون بأكثر من 112 ألف شخص بعدما كان يبلغ قبل إفراغ السجون بحوالي 136 ألف شخص، وترجح أن يكون مصيرهم الموت والقتل.

رغم ذلك يبقى الأمل يساور الكثير من أهالي المفقودين بأن يعرفوا مصيرهم، وأن يتحقق حلمهم بلقائهم أحياء أو العثور على رفاتهم لدفنها.

كل يوم نسمع ونشاهد مقبرة جماعية جديدة في مكان ما بسوريا أو صورة لسجن تابعة لفرع أمني.

في جنيف كان يقال إن الإنسان هناك يمشي وتحته خزائن المال والمجوهرات، أما المواطن السوري فيمشي وتحته سجن أو مقبرة جماعية.

عودة اللاجئين والنازحين لمناطقهم ملف آخر لا يقل مأسوية، فما أن سقط النظام حتى تعالت الأصوات في أكثر من دولة بضرورة عودة كل اللاجئين السوريين في دول اللجوء - وبالفعل - بدأ الآلاف منهم خاصة من دول الجوار بالعودة ليجدوا الدمار قد حل في بيوتهم، وأنها غير صالحة للاستخدام الآدمي، تقدر بعض التقارير الدولية الدمار في بعض المناطق ما بين 40% - 80% مما يضع أعباء جديدة على المواطن السوري في الداخل والخارج.

منذ سقوط النظام في الثامن من ديسمبر تدفق الآلاف من السوريين خاصة من دول الجوار، كتركيا ولبنان والأردن ليفاجأ الكثير منهم بأن منازلهم أصبحت أثرا بعد عين أو أنها تحتاج لأموال كبيرة لترميمها، مما جعل الكثير يتريثون في سرعة العودة أو الانتقال إلى مناطق أقل دمار.

ويأتي تحدي توفير الخدمات الأساسية من ماء والكهرباء والاتصالات، والتي وصلت في أغلبها إلى الحضيض بشهادة من زاروا وفحصوا الأجهزة والمعدات من مختصين، فقد أسهمت العقوبات المختلفة التي فرضت على النظام السوري بعرقلة تحديث العديد من المحطات، إضافة إلى سنوات الحرب المستمرة في البلاد منذ 2011، بتدمير الكثير منها وغياب الصيانة الحقيقية عن المتبقي منها، لذلك هي تحتاج لعمليات إنقاذ ما يمكن إنقاذه لتعمل بالحد الأدنى وصولا لاستبدال بالكامل في مرحلة لاحقة، ورغم استعادة السيطرة من قبل القيادة الجديدة على بعض المناطق الاستراتيجية، لا تزال حقول النفط تحت سيطرة تنظيمات مسلحة مثل قسد.

كانت الطاقة الإنتاجية لحقول النفط السورية تتجاوز 300 ألف برميل يوميا قبل عام 2011، مما يجعل استعادتها أولوية قصوى لإعادة الإعمار ودفع عجلة الاقتصاد. يتطلب حل هذه المعضلة إنهاء سيطرة التنظيمات المسلحة وإيجاد صيغة لإشراك المكون الكردي في العملية السياسية.

حيث لا يزال السلاح منتشرا بشكل كبير في سوريا، خاصة في مناطق الساحل والعاصمة دمشق التي كانت معقلا لضباط الجيش والأمن في عهد الأسد.

أطلقت الإدارة الجديدة عملية "التسوية" لضمان تسليم السلاح وتسوية أوضاع المسلحين، لكن لا يبدو أن هناك تجاوبا واسعا قبل التوصل إلى حل سياسي شامل يحقق توافقا وطنيا حقيقيا.

ختاما، تحتاج القيادة السياسية الجديدة إلى وضع خطط اقتصادية فعالة لإعادة بناء البنية التحتية وتحقيق النمو الاقتصادي.

هذا يتطلب جذب الاستثمارات الأجنبية وتوفير بيئة استثمارية مستقرة وآمنة، ليتمكن الملايين من أبناء سوريا المهجرين في الخارج من العودة عودة آمنة ومستدامة.. سوريا تمر بمرحلة مفصلية في تاريخها الحديث، فقد انطوت صفحة من تاريخ سوريا الحديث وفتحت أخرى.

والسؤال الذي يطرح في نهاية المقال، هل هذه أكبر الكوارث والتحديات في ذلك البلد المكلوم؟

saud_30000@