فهد إبراهيم المقحم

تقييم الموظفين بين الظن واليقين

الاثنين - 23 ديسمبر 2024

Mon - 23 Dec 2024

بخطىً مثقلة يجرها دخل على مديره في نهاية العام ليناقشه في تقييم أداء الموظفين وتجاوز نتائجه النسب المقررة لمستوياته المختلفة، فيخرج المدير قلمه ليحل المعضلة التي استعصت عليه ببعض الخطوط والأرقام، فيعطي هذا "ممتاز"، وهذا "جيد"، وذاك "ضعيف"، لتكون الصورة الكاملة في نهاية الأمر متماثلة مع "التوزيع الطبيعي" والنسب المتفق عليها للموافقة والاعتماد.

في حين آن مسؤولًا آخر اشترى راحته، فألزم كل إدارة بنسب محددة منذ بداية العام لكل فئة من فئات تقييم الأداء، مما اضطر بعض المديرين إلى تقييم موظيفهم بالتناوب السنوي، فهذا يأخذ هذه السنة "ممتاز"، وذاك يأخذها السنة القادمة. بل إن بعضهم ذهب أبعد من ذلك، فعمد إلى إعطاء "ممتاز" إلى صاحب "الراتب" الأعلى، والفئة التي تليها إلى من هو دونه في الراتب، وهكذا، ثم يقوم بجمع المكافآت وتقسيمها بينهم سواسية!

وهذا ثالث وضع بعض المحددات بهدف التنقية والتصفية، فمن أخذ "ممتاز" العام السابق، أو من عيّن حديثا، أو من حصل على ترقية جديدة، أو من أضيف مؤخرا إلى حسابه تعويضات مالية مقابل انتدابات أو العمل خارج أوقات الدوام يحرم من الحصول على "ممتاز" هذا العام.

هذه الممارسات، ومثيلاتها، تتعارض مع أهداف تقييم الأداء السنوي للموظفين، بل قد تفتك به وتحدث زعزعة في بيئة العمل وعرقلة في مسيرة تحقيق أهداف المنظمة؛ إذ أشارت تقارير صادرة من جمعية إدارة الموارد البشرية (SHRM) إلى أن 90% من الموظفين يؤمنون بأن نتائج تقييم أدائهم السنوي ليست مثمرة، مع ما تسببه من آلام موجعة. كما وجدت مجلة الأبحاث العلمية (Psychological Bulletin) أن 30% من تقييمات الأداء تتسبب في انخفاض أداء الموظفين، وأظهرت دراسات نشرها مكتب إحصاءات العمل الأمريكي (U.S. Bureau of Labor Statistics) أن 25% من الموظفين يستقيلون بسبب إجحاف التقييم وعدم الشعور بالامتنان والتقدير.

أيها القادة، إن الهدف الرئيسي للتقييم السنوي هو تقييم أداء الموظف في تنفيذه لمهامه ومسؤولياته وواجباته، بغض النظر عن منصبه أو دوره، ولذا من الخطأ الفادح أن ينظر إلى التقييم أنه ثروة مادية يجب توزيعها بالتساوي أو بالتناوب أو وفقا لمحددات مالية، أو تخضع التقييمات إلى تحيزات أو تصنيفات وظيفية، أو تحسم وفقا للاستثناءات أو آخر الإنجازات، فالفروقات الفردية هذه لها تعويضات تكفلها اللوائح الإدارية والمالية.

ومع وضوح هذا الهدف، إلا أن الكثير من المنظمات تفشل في تحقيقه، فقد وجدت شركة الأبحاث العالمية (CEB) أن 95% من المديرين لا يشعرون بالرضا التام حيال نظامهم لتقييم الأداء السنوي، وأن نحو 90% من قادة الموارد البشرية يؤمنون بأن بيانات ونتائج التقييم غير دقيقة! وفي دراسة أجرتها مجلة (Harvard Business Review) وجدت أن 75% من تقييمات الأداء متحيزة وفقا للميول الفردية والآراء الشخصية! حتى أن شركة (Deloitte) العالمية خلصت إلى أن 58% من التنفيذيين يرون أن نظام تقييم الأداء لديهم لا يحقق أي تحسن في الأداء أو الارتباط الوظيفي.

وحتى يكون تقييم الأداء السنوي نافعا ومحفزا، بدلا من أن يكون هادما ومدمرا، أوصي بهذه الخطوات الرئيسة:
  • اختيار منهجية موحدة لتقييم الأداء السنوي لضمان الاتساق والحيادية.
  • تحديد التوقعات ومعايير التقييم بوضوح، والتأكد من فهم الموظفين لها في بداية كل عام، مع أهمية ربطها بمستهدفات المنظمة.
  • استخدام تقييم 360 درجة (360-Degree Feedback)، بشكل ربعي أو نصفي، فيقيم الموظف نفسه، ويقيمه مديره وبعض زملائه وعدد من الموظفين ممن يعملون تحت إدارته، إن كان مسؤولا إداريا، مع ضرورة أن يكون التقييم كميا ونوعيا؛ لتعظيم أثره والاستفادة منه في تحسين الأداء.
  • عقد جلسة تقييم من قبل كل إدارة عامة، تشمل قياداتها وأحد ممثلي إدارة الموارد البشرية، على أن تكون عملية التقييم ممنهجة ومنصفة وبحضور الموظف لاستعراض أدائه والتحقق من إنجازاته، مع أهمية إعداد تقرير مفصل بنتيجة تقييمه.
  • إنشاء لجنة مركزية وممثلة لمراجعة تقييمات الأداء الناتجة من الخطوة السابقة، مع أحقية دعوة أي موظف لمناقشة نتائج تقييمه قبل اعتمادها، والحذر كل الحذر أن يتم تعديل النتائج وفقا لمحددات إدارية أو مالية، مع إمكانية تطبيق النسب المحددة لمستويات الأداء وفقا لترتيب درجات التقييم.
  • إرسال تقرير الأداء النهائي لكل موظف، مع ضرورة تحديد نقاط الضعف وفرص التحسين، مدعمة بالتوصيات الرئيسية والخطوات العملية للتطوير والتحسين المستمر.
  • المتابعة الدورية للتأكد من تنفيذ التوصيات وتحقيق المستهدفات الواردة في التقرير، مع تقديم الدعم اللازم لمواجهة التحديات.
  • التقييم الدوري لمنهجية التقييم السنوي، والاستفادة من مدخلات الموظفين في تحسينه وتجويده.
معشر القادة، إن العدل والإحسان في تقييم الأداء الوظيفي أمانة على عواتقكم، قال تعالى ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان﴾، وهو أيضا مطلب مؤسسي لتحقيق غاياتكم من خلال الاستثمار الأمثل في رأس المال البشري بتعزيز شغف العاملين وتقويم أدائهم لبذل قصارى جهدهم بإخلاص وإتقان نحو تحقيق أهداف المنظمة، والإبحار برسالتها في رحلة فريدة لا تقهرها طول الطريق أو تهزمها الأمواج المتلاطمة.

moqhim@